عمر حلمي الغول - النجاح الإخباري - شكل "قانون مكافحة الإرهاب" الصادر عن الكونغرس الأميركي عام 1987 حجر عثرة في العلاقات الأميركية الفلسطينية، كونه نص على تحريم إقامة مكتب لمنظمة التحرير  أو أي من مكوناتها على الأراضي الأميركية، وحرم استلام أي شيء ذي قيمة من المنظمة أو صرف أموال لها. الأمر الذي أدى إلى إغلاق مكتب المنظة، الذي كان يعمل باسم مكتب الإعلام الفلسطيني آنذاك، وتم نقل الطاقم الفلسطيني إلى مقر جامعة الدول العربية. وفي أعقاب 1988 وبدء الحوار الأميركي مع المنظمة تم افتتاح مركز الشؤون الفلسطينية، ولكن لم يحمل ذلك التطور إقامة علاقة رسمية مع المنظمة، ولم يسمح باستلام أموال من م.ت.ف حتى العام 1994.

غير ان بعثة م.ت.ف في الأمم المتحدة بنيويورك قامت بمقاومة ذلك القانون، حتى انها لجأت إلى محكمة العدل الدولية، التي اصدرت فتوى بهذا الخصوص، كما تم التوجه إلى المحكمة الأميركية عبر الأصدقاء الأميركيين نتج عنه استثناء البعثة باعتبارها مغطاة باتفاقية المقر بين الأمم المتحدة والولايات المتحدة.

تلا ذلك تطور ملتبس ومربك بعدما اعتمد الكونغرس عام 1994 قانونا لدعم عملية السلام في الشرق الأوسط، حيث أعطى الرئيس الأميركي الحق بتعليق تنفيذ المنع المتضمن في "قانون مكافحة الإرهاب" لمدة ستة أشهر، إذا لاحظ عدم قيام المنظمة بأعمال إرهابية، وأكد التزامها بما جاء في رسالة الاعتراف المتبادل مع إسرائيل، وأوفت بالتزاماتها الأخرى، وأن التعليق يحقق المصالح الأميركية، ويحق للرئيس تمديد التعليق ستة أشهر أخرى. وعليه (الرئيس) العودة للكونغرس كل بداية عام جديد لمنحه الصلاحية ذاتها.

ومن مثالب القانون الأميركي أن م.ت.ف عندما تحتاج للحصول على تأشيرات دخول للولايات المتحدة يفترض بوزير الخارجية الأميركي بتعليق الأحكام القانونية ذات الصلة. ولم يشفع لأعضاء الممثلية الفلسطينية قرار الإدارة الأميركية في يونيو 1994، الذي اعتبر البعثة بعثة أجنبية  تعمل في أميركا وفق أحكام قانون البعثات الأجنبية، لأنه لم يعتبر البعثة دبلوماسية، ولا تتمتع بأي امتيازات أو حصانة، أضف إلى انها ممنوعة من ادعاء "تمثيل دولة فلسطين" أو حتى استخدام فلسطين؟!

والأخطر تمثل في قانون الاعتمادات المالية عام 2016 حيث اضاف الكونغرس أحكاما متعلقة بشروط الدعم المقدمة للسلطة الوطنية، وجاء فيه أن الدعم يجب ان يتوقف إذا اكتسب الفلسطينيون صفة مثل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أو منظماتها المتخصصة، وإذا قاموا بإطلاق أو دعم أي عملية تحقيق ضد مواطنين إسرائيليين في المحكمة الجنائية الدولية، وعلى الرئيس الأميركي أن يشهد على حدوث ذلك.

هذة القوانين واشتراطاتها عقدت العلاقات الأميركية الفلسطينية، حيث إنها باتت سيفا مسلطا على رقبة منظمة التحرير او بعثتها الدبلوماسية في أميركا، مما دعا وزارة الخارجية الأميركية لاتخاذ خطوتها الدراماتيكية بإبلاغ الممثلية قبل ايام بإغلاقها، لأن القيادة توجهت لمحكمة الجنايات الدولية، ثم تراجعت عن ذلك برسالة رسمية، ولكن هذا التراجع لم يلغِ القوانين، لأنه مؤقت وأعطى فرصة ال90 يوما للرئيس ترامب لمنح شهادته للكونغرس بأن م.ت.ف ملتزمة بما تضمنته قوانينه ذات الصلة.

هذا الأمر يحتاج إلى إعادة نظر جدية وجذرية في التعامل من قبل الإدارة الأميركية مع ممثلية المنظمة ومنح التأشيرات لأعضاء المنظمة. لأن بقاء الحال على ما هو عليه يحول دون تمكن الولايات المتحدة من القيام بدورها كراعٍ أول لعملية السلام، ويضع قيودا على م.ت.ف دون ان يقابلها أي قيود أميركية على دولة الاستعمار الإسرائيلي. الأمر الذي يستدعي بحث العلاقات الثنائية بشكل جدي ومختلف عما تتضمنه القوانين الأميركية. رغم الإدراك أن الرئيس ترامب وإدارته لا يستطيعون فعل الكثير مع وجود كونغرس منحاز بشكل أعمى لصالح إسرائيل، دون النظر للمصالح الفلسطينية.

ولعل لقاء الرئيسين ابو مازن وترامب في المستقبل القريب يمنحهما الفرصة لمناقشة المسألة من جوانبها المختلفة، والعمل على إيجاد صيغ تعيد الاعتبار لعلاقات ثنائية تقوم على اسس تخدم عملية السلام، وتسمح بالتمثيل الدبلوماسي الكامل لممثلية المنظمة أسوة بكل البعثات الدبلوماسية العاملة في الولايات المتحدة، وهو ما يلزم الرئيس الأميركي بالضغط على أعضاء الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لإعادة النظر في قانون مكافحة الإرهاب والاعتمادات المالية لتستقيم العلاقات الثنائية، وتسمح لأميركا بلعب دورها في عملية السلام. هناك حاجة للتأصيل لعلاقات ناضجة ومسؤولة بين الجانبين. الكرة الآن في الملعب الأميركي.

[email protected]