عمر حلمي الغول - النجاح الإخباري - تشهد مدن وبلدات وقرى الجليل والمثلث والنقب والساحل في ال48 دورة عنف متصاعدة، استهدفت يافا وكفر قاسم والطيبة وعرعرة والناصرة وحيفا والنقب، مما أدى لسقوط عدد كبير من الضحايا بين قتيل وجريح. كان آخرها في الناصرة قبل يومين وكان من نتائجها سقوط ضحية وإصابة ستة أشخاص نتيجة خلاف بين عائلتين. وهذا الحادث يعتبر من الحوادث القابلة للمعالجة، رغم ارتفاع عدد ضحاياه. لكن الجرائم الأخرى في باقي المدن والبلدات والقرى مازال اصحابها مجهولي الهوية، وخلفياتها مشبوهة، مع أن التقدير الراجح يشير إلى ان أداة تنفيذها من ابناء الشعب الفلسطيني. غير ان وضع الإصبع على أداة التنفيذ لا يكفي لتشخيص تلك الجرائم، لأن هناك اصابع خفية من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تقف خلفها. وهو ما يستدعي الكشف عنها، وتسليط الضوء عليها، وملاحقتها عبر المؤسسات القضائية والبرلمانية والهيئات القيادية السياسية والاجتماعية والتربوية الثقافية العربية.

بالأمس عقد في بلدية كفر قاسم، التي ذهب سبعة من ابنائها منذ بداية العام حتى الآأن، اجتماع بحضور رئيس لجنة المتابعة العربية العليا محمد بركة ورئيس البلدية، عادل بدير وآخرين لمناقشة تداعيات ومضاعفات الجرائم، التي تفتك بالمجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل. وتم تحميل الشرطة الإسرائيلية المسؤولية عما يجري، لإهمالها، وعدم متابعتها الجدية للجناة، بالإضافة لدعوات بزيادة حملات التوعية والتثقيف في اوساط ابناء الشعب الفلسطيني في ال48.

ووفق ما يعتقد المرء، ان التشخيص يحتاج إلى مزيد من التعمق لإماطة اللثام عن القوى المستفيدة من تلك الجرائم. لا سيما وان هناك مخططا إسرائيليا يستهدف ابناء الشعب في الجليل والمثلث والنقب والساحل. ولا ينحصر الأمر بالشرطة الإسرائيلية ودورها المتراخي في ملاحقة المجرمين. فاتساع وزيادة عدد جرائم القتل في المدن والبلدات العربية لا يقتصر على انتشار المخدرات والسلاح غير المرخص وحروب المافيات والخلافات العائلية، بل هناك اسباب أخرى تقف خلفها المؤسسة السياسية والأمنية الإسرائيلية، لتحقيق مآرب وأهداف ليست غائبة عن ابناء الشعب في داخل الداخل. اهمها: اولا تفتيت وحدة الشعب، وتعميق الانقسام والفتنة داخل المدن والبلدات والقرى الفلسطينية؛ ثانيا إشاعة الفوضى وغياب الأمن الشخصي والمجتمعي؛ ثالثا تعزيز ثقافة الثأر وأخذ القانون باليد في ظل غياب حماية القانون العام؛ رابعا الكفر بالمؤسسات الوطنية العربية الجامعة كلجنة المتابعة والمجالس القطرية والقائمة المشتركة والأحزاب والقوى العربية القائمة في الأوساط الفلسطينية؛ خامسا دفع المواطنين للهجرة للخارج، وهنا مربط الفرس؛ سادسا وإن لم ينجح ما تقدم، يتم لجوء المواطنين للاحتماء بأحد الأحزاب الصهيونية او المؤسسات الأمنية الإسرائيلية.

هذه الأسباب وغيرها تحتاج إلى حملة وطنية مكثفة في اوساط الجماهير الفلسطينية بهدف فضح وتعرية المخطط الإسرائيلي، ومطالبة الشرطة بجمع السلاح غير المرخص، وملاحقة مرتكبي الجرائم، والكشف عنهم ومحاكمتهم وفق القانون، ووقف منطق الثارات الشخصية والعائلية، وتعميق اللحمة الوطنية بين ابناء الشعب عبر الندوات وورش العمل السياسية والتربوية والثقافية، والعزل الاجتماعي للمافيات ومروجي المخدرات والسلاح، ووضعهم تحت المراقبة الشعبية، وتشكيل لجان شعبية بالتعاون مع المجالس القطرية والمحلية لتعزيز صمود المواطنين، وقيام اعضاء القائمة المشتركة بالتعاون مع اللجنة العربية العليا بوضع خطة منهجية لمساءلة الحكومة الإسرائيلية واجهزتها الأمنية المختلفة عن غياب دورها المتعمد تجاه ما يجري في المدن والبلدات الفلسطينية العربية، وتعميم ثقافة التسامح والأخوة الوطنية في المدارس والمؤسسات الاجتماعية والرياضية .. إلخ

الأمر جد خطير، ولا يجوز ان تستمر حالة الفوضى والفلتان الأمني في المدن الفلسطينية العربية. الأمر الذي يفرض التصدي الجاد والحازم لهذه الظاهرة الخطيرة لحماية النسيج الوطني والاجتماعي. الكرة في معلب جميع القوى الوطنية السياسية والاجتماعية والثقافية الفلسطينية.