نابلس - النجاح الإخباري - مع استمرار عدوان الاحتلال على قطاع غزة، تطفو الخلافات بين إسرائيل ومصر أكثر على السطح، خاصة مع توغّل جيش الاحتلال في مدينة رفح وسيطرته على الجانب الفلسطيني من معبر المدينة الواقع على الحدود مع مصر وإلقاء مسؤولين إسرائيليين اللوم على القاهرة في وقف دخول المساعدات للقطاع.

وشهدت الأيام الأخيرة سجالا بين مصر وإسرائيل عبر وسائل الإعلام، بعد مقال نشرته شبكة (سي.إن.إن) الأميركية وتضمّن اتهامات للقاهرة بأنها غيّرت بنودا في مسوّدة اتفاق لوقف إطلاق النار بين الجانبين وأضافت شروطا طالبت بها حماس دون إبلاغ الإسرائيليين.

هذا الاتهام، جعل رئيسَ هيئة الاستعلامات المصريّة ضياء رشوان يحذّر يوم الأربعاء الماضي من أنّ التشكيك في وساطة بلاده في مفاوضات وقف إطلاق النار في قطاع غزّة قد يدفع القاهرة إلى الانسحاب من دورها كوسيط في الصراع الحالي.

ووصف رشوان تقرير شبكة (سي.إن.إن) بأنه تضمّن ادعاءات خاطئة "وخالية من أيّ معلومات أو حقائق" وقال إن التقرير "ربّما يهدف إلى تشويه دور مصر الرئيسي والبارز في محاولات ومفاوضات وقف إطلاق النار بقطاع غزة".

ولم تنجح الوساطة الحالية التي تقودها مصر وقطر بدعم من الولايات المتحدة حتّى الآن في الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين بين حماس وإسرائيل؛ وتسود حالة ترقّب لنتائج جولة المباحثات التي تجرى في قطر.

* اتهامات متوالية

كانت الوساطة المصرية القطريّة قد نجحت في 24 نوفمبر تشرين الثاني الماضي، في إقرار أول هدنة في القطاع؛ وكانت تلك الهدنة مدتها أربعة أيام، لكنها امتدت لأسبوع وجرى خلالها إطلاق سراح 105 من المحتجزين في قطاع غزة مقابل 240 أسيرا فلسطينيا كانوا في السجون الإسرائيلية.

غير أنّ رشوان قال في تصريحاته يوم الأربعاء إنّ مصر "لاحظت خلال الفترات الأخيرة قيام أطراف بعينها بممارسة لعبة توالي توجيه الاتهامات للوسطاء، القطري تارة ثم المصري تارة أخرى، واتهامهم بالانحياز لأحد الأطراف وإلقاء اللوم عليهم، للتسويف والتهرّب من اتخاذ قرارات حاسمة بشأن صفقة وقف إطلاق النار".

واتهم رشوان الأطراف التي لم يسمّها بأنها تكيل هذه الاتهامات للوسطاء "للحفاظ على مصالح سياسية شخصية لبعض هذه الأطراف، ومحاولاتها مواجهة الأزمات السياسيّة الداخليّة الكبيرة التي تمرّ بها".

أضاف "لا يُمكن قراءة ما يجري من نشر زائف، وما يتم ترويجه من أكاذيب حول الدور المصري، سوى بأنّه محاولة لعقاب مصر على مواقفها المبدئيّة الثابتة تجاه الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في ظل قيامها بدور الوساطة".

وأعلنت مصر في أكثر من مناسبة رفضها اقتحام إسرائيل لرفح الفلسطينية لما يحمله ذلك من مخاطر وقوع آلاف الضحايا المدنيين، بالإضافة إلى مخاطر تهجير الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء المصريّة الواقعة على الحدود الجنوبيّة للقطاع الفلسطيني.

وتتركز محدّدات الموقف المصري في تأكيدات رئيس البلاد عبد الفتاح السيسي خلال أكثر من مناسبة على عدم السماح بتهجير الفلسطينيين من غزة إلى شبه جزيرة سيناء، والتحذير من العواقب الخطيرة لاجتياح إسرائيل رفح، والمطالبة بضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار في القطاع.

* رفح في صدارة الخلاف

ورغم التحذيرات المصريّة، فقد قالت الإذاعة الإسرائيليّة إنّ جيش الاحتلال بات يسيطر على نصف الحدود الجنوبية لقطاع غزة مع مصر، وهي شريط ضيّق يبلغ طوله 14 كيلومترا وعرضه بضع مئات من الأمتار، ويُعرف باسم محور فيلادلفيا أو محور صلاح الدين.

يمتدّ محور فيلادلفيا هذا من البحر المتوسّط شمالا حتى معبر كرم أبو سالم جنوبا، حيث نقطة التقاء الحدود بين مصر وقطاع غزّة وإسرائيل. ويشكّل شريطا عازلا بين مصر والقطاع.

وفي سبتمبر أيلول 2005، وُقّع اتفاق فيلادلفيا بين إسرائيل ومصر، والذي يُعتبر ملحقا أمنيا لمعاهدة السلام لعام 1979؛ ويُسمح هذا الاتفاق لإسرائيل ومصر بنشر قوّات عسكريّة محدودة في المنطقة (د) بعمق كيلومترين على جانبيّ الحدود، على ألّا تتضمن تلك القوات أي انتشار لدبابات أو مدفعيّة أو صواريخ.

وهذه هي المرّة الأولى منذ نحو 19 عاما التي توجد فيها قوات إسرائيليّة في محور فيلادلفيا؛ فقد كانت إسرائيل انسحبت عام 2005 من معبر رفح ونقلت مُهمّة الإشراف عليه للسلطة الفلسطينيّة مع وجود مراقبين من الاتحاد الأوروبّي.

وكان وزير الدفاع المصري الفريق أوّل محمد زكى قال إن مصر تقوم بدور مهمّ لمساندة القضية الفلسطينية على مدار التاريخ وإن الموقف الحالي "يتم التعامل معه بأقصى درجات الحكمة لدعم القضية والحفاظ عليها ومساندة الأشقاء الفلسطينيين على أساس حل الدولتين".

تصريحات زكي جاءت خلال حضوره مشروعا تكتيكيّا نفذته إحدى وحدات الجيش الثاني الميداني باستخدام الذخيرة الحية.

وأصدرت محكمة العدل الدولية اليوم الجمعة أمرا يدعو إسرائيل للوقف الفوري لهجومها العسكري وأي عمل آخر في رفح، قائلة إن الوضع الإنساني في المدينة "كارثي" وتفاقم منذ الأمر الذي أصدرته في وقت سابق عندما دعت إسرائيل لاتخاذ تدابير مؤقتة بشأن تداعيات الحرب في القطاع.

* رسالة طمأنة

وقال اللواء هشام الحلبي، المستشار بالأكاديميّة العسكريّة للدراسات العليا والاستراتيجية بمصر، في حديث لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) إن هذه المناورة المصرية ترسل رسائل طمأنة للداخل بأنّ الجيش قادر على حماية الأمن القومي للبلاد في ظل التوتر الكبير الذي تمر به المنطقة.

أضاف "حديث وزير الدفاع عن مساندة القضية الفلسطينية على مدار التاريخ هو تأكيد للمواقف المصرية الداعمة للشعب الفلسطيني عسكريّا وسياسيّا وإنسانيّا منذ حرب عام 1948 وحتى الآن".

وخاضت مصر وإسرائيل عدة حروب ضد إسرائيل، كان آخرها حرب أكتوبر تشرين الأول عام 1973 التي انتهت بتوقيع اتفاقيّة السلام بين البلدين بوساطة أميركية في أواخر سبعينيّات القرن الماضي. وأنهت تلك الاتفاقية حالة الحرب بين البلدين؛ كما أدّت إلى تطبيع العلاقات والحدّ من الانتشار العسكري على جانبيّ الشريط الحدودي بين البلدين.

ويرى الدكتور حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسيّة، أنّ التحركات الإسرائيليّة الأخيرة، سواء باقتحام رفح الفلسطينية أو توجيه اتهامات لمصر "ناتجة عن وجود حالة ارتباك في الدّاخل الإسرائيلي بسبب الفشل في تحقيق أيّ نتائج في الحرب (الدائرة في قطاع غزّة) في مواجهة صمود فلسطينيّ".

وقال في حديث لوكالة أنباء العالم العربي "إسرائيل تُحاول استفزازنا من خلال تجاوز خطوط حمراء، سواء بالوجود في محور فيلادلفيا، أو اقتحام رفح، أو حتّى بنشر الأكاذيب بشأن الدور المصري في الوساطة".

واعتبر أنّ القاهرة تتحلّى بالحكمة في مواجهة ما سمّاها "الاستفزازات الإسرائيليّة" لكنه أردف قائلا إن "هذا لا يعني أنّها (مصر) لا تملك خيارات أخرى للتعامل من التطورات... حتّى الآن، نفضّل الخيار السياسيّ والدبلوماسيّ".

كما اعتبر أيضا أنّ إسرائيل تسعى من خلال تحرّكاتها الأخيرة إلى "الضغط على مصر وتشويه صورتها، بعد رفض القاهرة التنسيق معها بشأن معبر رفح أو تغيير موقفها بشأن العمليّة العسكريّة في رفح".