ريما كتانة نزال - النجاح الإخباري - خرج الدخان الأبيض من مجلس النواب الأردني معلناً إلغاء المادة 308 من قانون العقوبات، وهو ما رفضه المجلس مراراً وتكراراً. لقد أثمرت الحملة التي أطلقها ائتلاف عريض من منظمات المرأة والمجتمع المدني والحقوقي، لإنهاء استمرار إفلات مرتكبي جرائم الاغتصاب من العقاب بواسطة القانون في حال الزواج بضحاياهم، القانون أعطى والقانون أخذ. 
الجدل حول مضمون المادة 308 ليس موضوعاً أردنياً، بل يحتدم الجدل حولها كإحدى القضايا الإشكالية المختلف عليها في غير مكان في العالم، في دول أجنبية وعربية ومنها فلسطين. 
ما زال البعض لا يعترف ولا يريد الاعتراف؛ أن تزويج المغتصبة لمغتصبها يشجِّع على ارتكاب المزيد منها دون تردد، بسبب هشاشة الرادع القانوني، فالقانون لا يكافئ المُغْتَصِب فقط بزيجة رخيصة الكلفة مادياً ومعنوياً، بل ينقل المُغتصب من وضعية الجاني إلى وضعية القاضي، يغتصب ضحيته ومن ثم يعرض عليها حلَّه. كما يتجاهل البعض أن الجاني قد يكون من المحارم! شائنة إحراجية تنبري متحدية عجز مؤيديها ومادتهم السحرية، لا ينفع معها التزويج حلاً..!
الأصل في الزواج توفر القبول والرضى..ليصبح الزواج صحيحاً حسب قانون الأحوال الشخصية، لأن زواج المأزق يزيِّف الرضى والقبول معاً، يجعله باطلاً من الزاوية الإنسانية.
قبولٌ بالإكراه، السيناريو الوحيد أمام الضحية في البيئة الاجتماعية المتروكة لحالة الثبات والجمود، ليس أمام الضحية سوى القبول تحت الضغط الاجتماعي كونها الطرف الضعيف في المعادلة. إن رفضت تضع نفسها أمام احتمالات أصعب: الوصمة أو القتل. 
مكافأة القاتل بزواج منخفض التكاليف، ربما مجاناً، المهم سَتْر الضحية من فضيحة اجتماعية لا ذنب لها فيها، بل تَسَتُّر على المجرم وفضيحته. مستقبل قاتم أمام الضحية أقله شعور النبذ والاحتقار، معاملة الجواري بانتظار الطلاق بعد انتهاء ثلاث سنوات حسب الإحصائيات والأرقام، عدد سنوات المدة التي يشترطها القانون بعد الزواج. 
ارتدادات إلغاء المادة 308 من قانون العقوبات في الأردن ستنعكس بالضرورة على فلسطين، ليس فقط بسبب التشابه في التكوين والنسيج الاجتماعي وخلفياته المتشابهة، بل لكون قانون العقوبات الأردني رقم 16 لعام 1960 ما زال ساري المفعول في الضفة الغربية، بموجب المرسوم الرئاسي رقم واحد عام 1996، والمادة التي تحمل ذات الرقم (308) تحت باب الأسرة المعنون: إيقاف الملاحقة واستعادة الحق في الملاحقة.
 في فلسطين، أقدمت مسودة قانون العقوبات المعدة من قبل المجتمع المدني على إلغاء المادة 308، انسجاما مع المرجعيات الوطنية وتبنيها مبدأ العدالة وحماية كرامة المواطنين والمواطنات.
قد يشكل إلغاء القانون الأردني المعدل لعام 2017 المادة الإشكالية توطئة أمام قانون العقوبات الفلسطيني، ستساعد في نقل ملف الاغتصاب من المساحة المغلقة إلى المساحة المفتوحة. قد تختصر نقاشات مجلس النواب الاردني المسافة بين وجهتي النظر في المجتمع حول المادة المذكورة وغيرها من المواد ذات الصلة؛ ومنها البنود المتعلقة بقتل النساء. 
الغاء 308 انعطافة ونقطة تحول باتجاه مقاربات حقوق الانسان، ولكن علينا الانتباه أن الخطوة إن لم تترافق بإجراءات أخرى ذات طبيعة إصلاحية وتثقيفية؛ ستخلق فجوة جديدة بين القانون وتطبيقاته.
لِنُلاحظ بأن التطورات الحقوقية الجارية عبارة عن تغييرات مجتزأة، في المعظم استجابة لضغوط قوية من المجتمع المدني تؤدي إلى تغيير ما، بعيد عن رؤية استراتيجية لمنظومة الحقوق وثقافتها وتأصيلها، والأهم المترتبات والأعمال ما بعد التعديل من أجل حمايته من العجز على محاكاة الواقع.
توخيَّاً للصراحة والوضوح ورؤية ما وراء الإنجاز الأردني؛ لِنُلاحظ: أن المادة 308 قدمت رؤية عشائرية تُسْهم في حل مشكلة. يقدِّم الإلغاء حلاً حقوقياً؛ لكنه في الوقت نفسه، يُوَلِّد مُشكلة من طبيعة أخرى في البيئة الاجتماعية الساكنة. إلغاء المادة 308 يعبر من ضمن ما يعبّر عنه؛ عن إرادة تفكيك بنى ثقافية تقليدية ذات طبيعة عشائرية وعن وقف الصفقات الاجتماعية والمقايضات على حساب النساء، لتحل مكانها بُنى ثقافية حقوقية بديلة. لكن يجب أن لا تدفعنا المحاذير والتخوفات من التراجع عن المبدأ..الكرامة الإنسانية.