وكالات - هاني عوكل - النجاح الإخباري - ثمة شريحة جديدة وضخمة من المساعدات الأميركية والغربية إلى أوكرانيا؛ حتى تظل واقفة على أرجلها في الحرب التي تشنها روسيا عليها منذ أواخر شهر شباط 2022، في ظل دعوات الرئيس الأوكراني المكرورة لتزويد قواته بأسلحة غربية أكثر فتكاً وتطوراً.
حزمة المساعدات الأميركية المعلنة تبلغ حوالى 2.5 مليار دولار، وتعتبر ضخمة جداً وكفيلة حقيقةً بإنعاش كييف وإبقائها صامدة، غير أن واشنطن تدرس هذه المرة تقديم مقترحات للحكومة الأوكرانية بشأن تكتيكات جديدة في أسلوب الحرب.
الإدارة الأميركية تبحث في مسألة تقديم أسلحة جديدة لأوكرانيا، ويبدو أن إرسال هذه المساعدات السخية مرتبط برغبة أميركية في تغيير قواعد اللعبة، وجعل كييف أكثر قدرة على إدارة الحرب باستهداف مواقع حسّاسة في منطقة شبه جزيرة القرم التي تسيطر عليها القوات الروسية.
شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014، تشكل منطقة إستراتيجية وضرورية لأمنها، والبوابة المطلة على بحرَي آزوف والأسود، وهناك أكثر من 25 ألف جندي روسي فيها، ولذلك تعتقد كييف أنه يمكن استعادة الجزيرة في إطار بعض التقدم الذي حققته سابقاً ضد القوات الروسية في محورَي خاركيف وخيرسون.
أواخر العام الماضي، صرح وزير الدفاع الأوكراني ألكسي رزنيكوف أن بلاده ترى في استعادة شبه جزيرة القرم هدفاً إستراتيجياً. وفعلاً إذا تمكنت أوكرانيا من استعادة القرم، فقد يؤثر ذلك بشكل كبير على مجرى الحرب ويؤدي إلى تآكل هيبة روسيا العسكرية.
في حقيقة الأمر تعكس المساعدات الأميركية المادية والعسكرية ضخامة الخلاف بين روسيا والغرب، حيث طرحت موسكو موقفها للسلام عبر تصريحات أدلى بها حديثاً وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، قال فيها: إن بلاده لم تتلق عرضاً جدياً للسلام من قبل الدول الغربية.
وأضاف: إن موسكو يمكنها وقف الحرب إذا جرى تفكيك البنى التحتية العسكرية في أوكرانيا والدول المجاورة لروسيا، مع فهم الاحتياجات الأمنية للأخيرة، وينبغي وضع أكثر من خط أحمر تحت جملة «فهم الاحتياجات الأمنية لروسيا»، لأن ذلك يعني في القاموس الروسي الاحتفاظ بشبه جزيرة القرم وربما ببعض الأراضي الأوكرانية مثل دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا.
لافروف يريد من واشنطن وحلف «الناتو» تفكيك قواعدهم العسكرية في أستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا، وتجفيف كل أنواع الدعم العسكري المقدم لأوكرانيا وإبقاءها دولة حيادية غير منتسبة للحلف الغربي العسكري، ولا منتسبة أيضاً للاتحاد الأوروبي.
دولة عظمى مثل الولايات المتحدة الأميركية، لن توافق بالطبع على انتزاع بعض «أظافر وأسنان» حلف «الناتو» في أوروبا من أجل استيعاب الاحتياجات الأمنية الروسية، وحتى اللحظة تقاتل واشنطن موسكو بالدبابات والذخائر الأميركية والجنود الأوكران داخل أراضيهم.
واشنطن تريد الوصول إلى النتيجة التي جعلت الاتحاد السوفياتي يتفكك عام 1991 بعد الحرب الباردة مع الولايات المتحدة، أو على أقل تقدير جعل روسيا مستنزفة سياسياً واقتصادياً إلى أبعد حد ممكن، وبالتالي إبعادها عن ساحة التنافس الدولي على هيمنة النظام العالمي.
في المقابل تدرك روسيا الأهداف الأميركية، ولذلك لا عجب حين تصدر عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تصريحات تقول: إنه مطمئن لانتصار بلاده على أوكرانيا، على الرغم من بعض الانتكاسات الميدانية التي أثرت في معنويات جيشه.
حين يقول بوتين ذلك، وسبق أن هدّد الغرب بالسلاح النووي، فهذا يعني أنه لن يتوانى عن استخدامه إذا حشرت روسيا في الزاوية ولا خيار أمامها سوى قبول الهزيمة. تصريح جديد لنائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف قال فيه: إن على «الناتو» أن يستوعب أنه إذا خسرت موسكو الحرب فقد يؤدي ذلك إلى اندلاع حرب نووية.
مثل هذه التصريحات تعكس إستراتيجية روسيا إزاء مسألة إنهاء الحرب بالشكل الذي تريده، ولذلك لا يبدو أنها ستكون الطرف الذي يلجأ إلى وقف القتال أو القبول بالهزيمة، وطالما أن الولايات المتحدة تدعم أوكرانيا، والغرب يفعل كذلك، فأغلب الظن أنه لا خيار أمام موسكو سوى مواصلة الحرب.
قد يلوح في الأفق سيناريوهان لحل الأزمة الأوكرانية إن عاجلاً أم آجلاً. الأول أن تحدث «فورة» داخلية في البيت الأوكراني تؤدي إلى الإطاحة بالرئيس زيلينسكي وتنسيب رئيس آخر موالٍ لروسيا، وقد يستجيب لاشتراطاتها بصدد وقف الحرب.
السيناريو الثاني يتصل بتململ الأوروبيين و»تعبهم» من هذه الحرب، والضغط على الأميركان باتجاه فتح قنوات اتصال وتفاوض مع الرباعي: روسيا وأوكرانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وصولاً إلى حلول وسط تنهي هذا القتال. أخيراً يمكن القول: إن روسيا إذا لم تنتصر عسكرياً في هذه المعركة المفتوحة ببنادقها وسواعد جنودها، فقد تكسبها بالتخويف النووي وتحت عقيدة «أنا ومن بعدي الطوفان»