انطوان شلحت - النجاح الإخباري - تمثَّل أحد مظاهر الدفاع عن نائب الوزير الإسرائيلي والجنرال في الاحتياط يائير جولان، من حزب ميرتس (يسار صهيوني)، والذي أطلق أخيرًا تصريحات (اعتذر عنها في وقت لاحق)، وصف فيها مستوطني بؤرة “حومش” بالقرب من قرية برقة الفلسطينية في الضفة الغربية بأنّهم “دون البشر” على خلفية اعتداءاتهم المتكرّرة على أهالي القرية وممتلكاتهم، في الإشارة إلى أنّ جولان استعمل التوصيف المذكور كي يندّد بالنظرة العامة التي تحكُم رؤية أولئك المستوطنين، وتعتبر الآخر، وهو تحديدًا كلّ من هو “غير يهودي” (غوي) “دون البشر”! وردّ المدافعون على ادّعاء المُهاجمين بأنّ توصيف جولان مُستلّ من معجم المصطلحات النازية، بالتذكير أنّ مثل هذه التوصيفات سبقت العقيدة النازية بكثير، بل إنّها في السياق المرتبط بإسرائيل وردت على نطاق واسع جدًا في نصوص الشريعة اليهودية، لا سيما في كتاب التلمود، وفي فتاوى حاخامين يهود عديدين على مرّ العصور.
يكفي لنعيد إلى الأذهان نماذج من تلك التوصيفات الإحالة إلى ما سبق أن كتبناه، منذ أعوام قليلة، حول الجزأين الأول والثاني من كتاب “توراة (عقيدة) الملك”، اللذين صدرا في إسرائيل عامي 2009 و2016 على التوالي، من تأليف الحاخامين يتسحاق شابيرا ويوسف إليتسور، وجمعا بين دفتيهما شرائع يهودية يعتقدان أنّها ينبغي أن تكون نافذة ومطبقّة كما هي حتى يومنا هذا.

وبينما ضم الجزء الأول شرائع تستند إلى كتاب التناخ حول شرعية قتل “الأغيار” (غير اليهود)، لا سيما خلال فترات الحرب، من الرجال والنساء والأطفال والمسنين (تزامن نشره مع بدء مسلسل الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة)، فإنّ الجزء الثاني شمل شرائع يهودية من التناخ تتعلق بـ”قوانين الأحوال العامة والملكوت”.

ومما جاء في الجزء الأول: “توصلنا إلى استنتاجٍ واضح فحواه أنّه في أي مكان يكون فيه وجود غير اليهودي خطرًا على حياة إسرائيل مسموح قتله”. و”ثمّة وجهة نظر تسمح بإلحاق الأذى بالأطفال، في حال كان واضحًا أنّهم عندما يكبرون سيلحقون ضرراً بنا”. وهو يشبّه “الأغيار” بـ”الحيوانات التي تعيش في هذا العالم، من دون أيّ غايةٍ ووعيٍ لحياتها”.

ويقرّر أنّ “قسوة غير اليهود تدفع إلى التشكيك فيهم، مثلما يُشكّك في الأفاعي السامة”. ورفضت النيابة الإسرائيلية العامة في حينه إجراء محاكمة جنائية لمؤلفي الجزء الأول بحجّة “صعوبة إثبات أنّ هدف مضمون الكتاب التحريض على العنصرية، وفقًا لما يرد في نصوص القانون”، وأنه لا يجوز تجاهل “حقيقة أنّ الحديث يدور حول اقتباسات وبحث في مراجع الشريعة اليهودية في سياق تفسير هذه الشريعة”. ويبدو أنّ هذه الحجة كانت مصدر تململ لدى المؤلفيْن، كما يمكن الاستشفاف من تصريحاتٍ أدلى بها الحاخام شابيرا لدى إطلاق الجزء الثاني، وركّز فيها على أنّ الغاية من هذا المشروع غير منحصرة في تفسير الشرائع وحسب، وإنّما أساساً في التدليل على وجود تطابق كبير بين تلك الشرائع والواقع الراهن. بكلماتٍ أخرى، لن تكون هذه الشرائع مستحيلة عندما لا يبهظ منفذوها القيام بإجراء تطابق مع الأصل.

في واقع الأمر، لا يمكن تجاهل أنّ ثمة بصمةً مُستمرةً وعميقةً لمثل هذه الشرائع في الكينونة الحالية لدولة الاحتلال من جهة، ومن جهة أخرى، في إعادة إنتاج منطوقها العنصري على لسان حاخامين ورجال دين وسياسة. فهذا على سبيل المثال هو ما فعله الزعيم الروحي لحزب شاس الإسرائيلي لليهود الحريديم المتشددين دينيًا، والحاخام السفارادي الأكبر لإسرائيل، عوفاديا يوسف، عندما قال في إحدى عظاته الأسبوعية عام 2010: “لم يولد الأغيار إلّا لخدمتنا وتلبية حاجاتنا. وإذا لم يكونوا كذلك لا مكان لهم في العالم. إنّهم موجودون فقط من أجل خدمة شعب إسرائيل”. وزيادة في التوضيح أضاف: “لماذا ينبغي للأغيار أن يعيشوا؟ لكي يعملوا، ويحرثوا، ويزرعوا ويحصدوا. أمّا نحن فسنجلس كأفنديين ونأكل”.