نابلس - حمادة فراعنة - النجاح الإخباري - جولة مفاوضات «جديدة طخ» يومَي 29 و30 تشرين الثاني 2021، في الدوحة القطرية بين وفد أميركي سياسي مالي أمني برئاسة الممثل الأميركي الخاص لأفغانستان توماس ويست، وبين وفد قيادي من حركة طالبان الأفغانية.
اهتمام واشنطن بأفغانستان يعود إلى موقعها الجغرافي المميز حيث تقع بين الصين شرقاً وإيران غرباً، كي تصنع لكليهما أداة مواجهة واستنزاف. وقبل ثلاثة أيام، وقعت أوّل اشتباكات حدودية بين قوات إيرانية في مواجهة قوات أفغانية، وُصفت على أنها غير مقصودة وعفوية، ولكن كما يُقال: «بداية الرقص حنجلة».
انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان يوم الإثنين 30/8/2021، بشكل متسارع وفوضوي، شكّل مأخذاً وإدانة لكيفية تعامل واشنطن مع أدواتها في أفغانستان، وكان مشهد الطائرة الأميركية على مهبط مطار كابول وهي تحمل الأميركيين مشهداً مأساوياً - حينما تعلّق العشرات من الأفغان بأجنحتها، طالبين الهروب والنجاة من عقوبات «طالبان» المتوقعة، ومن تمكّن من الإمساك جيداً سقط من علو شاهق بعد أن أقلعت الطائرة - ودلالة على الفوضى، واستهتار الأميركيين بمن يتمسك بهم ويراهن على مساعداتهم.
تدخل واشنطن واحتلالها لأفغانستان، بعد هجمات «القاعدة» بقيادة أسامة بن لادن يوم 11 أيلول 2001، على الأراضي والمؤسسات الأميركية، هدفا إلى إبعاد «طالبان» عن السلطة، وحرمان تنظيم القاعدة من ملاذ آمن.
خسائر فادحة تكبدتها الولايات المتحدة في أفغانستان من المال والرجال طوال رحلة الاحتلال والسيطرة، ولم تحقق ما تتطلع إليه، فقد أعادت «طالبان» سيطرتها على أفغانستان، على الرغم من أن اتفاق الانسحاب الأميركي الذي وقعته واشنطن مع «طالبان» يوم 29 شباط 2020، ينص على إجراء محادثات بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان، وقد توصلا إلى اتفاق يوم 2 كانون الأول 2020، وهو أول اتفاق مكتوب وموقع بين الطرفين بعد 19 عاماً من الصراع، إلا أن حركة طالبان لم تلتزم بالاتفاق، واستولت على معظم الأراضي الأفغانية، وفي 15 آب 2021، استولت على العاصمة كابول، وهرب الرئيس أشرف غني إلى خارج حدود بلاده.
أولويات الاهتمام الأميركي، منطقتا شرق ووسط آسيا، لمواجهة التفوّق التجاري الصيني، والنفوذ الروسي، والتمدّد الإيراني، فعملت على التساهل مع «طالبان»، رغم أن هذه لم تلتزم بما هو متفق، ومع ذلك ها هي واشنطن تُعيد فتح التفاوض مع «طالبان»، لتقديم المساعدات المالية لها تحت حجة توفير حياة معيشية للشعب الأفغاني، والإفراج عن أموال تحتاجها «طالبان» للسيطرة على مقدرات أفغانستان وإدارتها، بهدف واضح جعل أفغانستان أداة مواجهة واستنزاف للصين وإيران معاً، وها هي الاشتباكات العفوية غير المقصودة بداية الخيار الأميركي لجعل أفغانستان مستنقع الانزلاق الصيني تحت حجة حماية المسلمين المضطهدين من قبل الصين، وستعمل أفغانستان على دعمهم وحمايتهم، مثلما ستعمل على تعزيز الخيار السنّي في مواجهة الخيار الشيعي الإيراني، وهكذا تكون اصطادت عصفورَين (الصين وإيران) بأداة صيد أفغانية واحدة.