نابلس - طلال عوكل - النجاح الإخباري - بإمكان الولايات المتحدة، والدول الرأسمالية، وارثة الاستعمار القديم أن تواصل سياسات الدفاع عن إسرائيل، وإغراقها بالمكافآت، وأن تفشل في إنقاذ الصهيونية من نفسها ولكنها في الأخير ستصطدم بحقيقة أن إسرائيل دولة «أبرتهايد» إن هي استمرت في احتلال الضفة وغزة والقدس كما قال الرئيس الفرنسي ماكرون.
في الحقيقة، فإن إسرائيل لا تتجه نحو أن تصبح دولة «أبرتهايد»، خصوصاً وأنها تواصل سياساتها التوسعية والقمعية بحق الشعب الفلسطيني ولكنها هي، اليوم، ومنذ وقت طويل، قد أصبحت دولة «أبرتهايد» بامتياز.
منظمة «هيومان رايتس ووتش» الأميركية، التي يقوم عليها رجالات مهمون وذوو مراكز سابقة في الحياة السياسية، وفي الحزب الديمقراطي، كانت توصلت إلى هذا التوصيف، وكذلك منظمة «بتسيلم» لحقوق الإنسان الإسرائيلية.
الإصرار القديم والمتواصل، والذي يفتقر إلى النجاعة، من قبل المجتمع الدولي، على أن الحل الوحيد الممكن للصراع الفلسطيني الإسرائيلي يتمثل في رؤية الدولتين، هذا الإصرار يعكس في جوهره رؤية عميقة لكيفية احتفاظ الدولة العبرية لأطول فترة ممكنة. تدرك الدوائر الأميركية والغربية الموالية، كما يدرك بعض الكتّاب الإسرائيليين أن ثمة حاجة لإنقاذ إسرائيل من جنون وتطرف قياداتها السياسية والعسكرية، ولكن لا هؤلاء ولا أولئك مستعدون للضغط على الطفل المدلّل.
أحياناً، يضطر الآباء والأمهات لاستخدام عنف بوتيرة ما ضد الأبناء لردعهم عن ممارسات لا تليق بالتربية الصالحة، ولكن لا الدول الراعية لإسرائيل ولا اليهود في العالم، مستعدون لأن يقرصوا أذن القيادات الإسرائيلية التي تضر بمصالح اليهود.
لا يزال العدوان الإسرائيلي على الكل الفلسطيني، ويخرق الآذان أصوات القصف للمدنيين، وممتلكاتهم، بينما تقرر الإدارة الأميركية الموافقة على صفقة سلاح لإسرائيل بمقدار سبعمائة وخمسة وثلاثين مليون دولار، وتعهد لإعادة تذخير القبة الحديدية، وتعويض الترسانة الإسرائيلية عمّا صرفته خلال العدوان على غزة.
ولا تزال الدول الراعية والحامية والداعمة لإسرائيل والضامنة لتفوقها العسكري تتحدث عن حق الدولة العبرية في الدفاع عن نفسها، ما يشجع حكومة نتنياهو لمواصلة العدوان، دون أن تخشى أي حسابات، أو ردود فعل.
هذه الدول تتجاهل التحولات التي تجري عميقاً في مجتمعاتها، التي أخذت تصحو من غفلتها إزاء زوايا النظر للصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي، حتى وشوارع مدنها تضج بمئات آلاف المتضامنين ضد العدوان والمحتجين على سياسات أنظمتها.
تدرك مستويات القرار السياسي في الدول الاستعمارية الحديثة والقديمة، أن مقولة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، مخالفة تماماً للقانون الدولي ومخالفة لقرارات الأمم المتحدة، ومتناقضة مع قرارات سبق لهذه الدول أن اعتمدتها أو وافقت عليها، وان مثل هذه السياسة لا تخدم إسرائيل أو تلك الأنظمة، لكنها اعتادت على سياسة الكيل بمكيالين ورؤية الأمور بعين واحدة.
هجوم دبلوماسي وسياسي، إقليمي ودولي على طرفي معادلة الصراع، ابتداءً من وزير الخارجية الألماني، إلى الأميركي والبريطاني، في ظل استمرار حضور وفعالية الدور المصري والأردني والقطري، والهدف الأول تثبيت وقف إطلاق النار الهشّ فضلاً عن أهداف أخرى متناقضة.
ماذا يقدم المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة للفلسطينيين مقابل ما يتم تقديمه لإسرائيل؟ ثمة فارق واسع، فالمساعدات المحدودة للفلسطينيين مشروطة، لا تستحق أن تتلقى عليها الشكر، بينما التي تتلقاها إسرائيل مفتوحة وبإمكانها أن تستخدمها كيفما ووقتما شاءت وبالطريقة التي تخدم سياسات الحكومة الإسرائيلية.
كيف يمكن تثبيت وقف إطلاق النار، بينما تواصل إسرائيل سياساتها الاحتلالية والقمعية بحق الفلسطينيين بما في ذلك مواطنوها وأصحاب الأرض في الأراضي المحتلة العام 1948؟
إسرائيل تواصل سياساتها الإجرامية بحق القدس والمقدسيين والمسجد الأقصى، وتسمح للمستوطنين والمتطرفين باقتحامه وقتما شاؤوا بحماية الجيش والشرطة، ولا تزال قضية الشيخ جرّاح قائمة والحي يخضع لحصار مشدّد، فضلاً عن قمع المتضامنين.
حملة شرسة من الاعتقالات لا تتوقف على الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية، خوفاً من أن تنفجر الأوضاع مرة أخرى فيما يتبجح نتنياهو علناً وأمام وسائل الإعلام بأن حكومته ستضرب بيد من حديد على من يسمّيهم ظواهر الشغب.  فهناك أكثر من خمسمائة فلسطيني هم خلف القضبان، والحملة المسعورة مستمرة ضد الفلسطينيين من مواطني إسرائيل الفلسطينيين.
هذا يعني أن الأسباب التي أدت إلى انفجار الأوضاع لا تزال قائمة، وطالما أن مركزها القدس، فإنها قابلة للانفجار مرة أخرى ما لم تنجح الدول الراعية لإسرائيل، بتغيير سياسة الحكومة الإسرائيلية.
في هذه المرة، خرج كل الشعب الفلسطيني في مواجهة العدوان، وفي مختلف أماكن تواجده داخل وخارج فلسطين التاريخية، لكن أحداً لا يضمن أن تخرج الأوضاع عن السيطرة في المرّة القادمة، وثمة مرّة ومرّات قادمة.
يجب أن نصدق المعادلة التي أعلنها السيد حسن نصر الله، حين قال، مؤخراً، إن القدس يمكن أن تفرض معادلة حرب إقليمية، بمعنى أن الحزب وأطرافا أخرى في المنطقة، يمكن أن تدخل بقوة ومباشرة على خط الصراع. والسؤال حينذاك ماذا ستفعل الدول المنحازة لإسرائيل، وكيف ستفعل ذلك؟