طلال عوكل - النجاح الإخباري - بارد ومتأخر لنحو الشهر، الاتصال الذي بادر إليه الرئيس الأميركي جو بايدن، برئيس الوزراء الإسرائيلي.
طويلاً انتظر نتنياهو على الهاتف في انتظار مكالمة من بايدن ما ينطوي على إشارات مهمة، لكونها خروجاً على المعتاد ولأنها كسلوك يخالف ما تعود عليه نتنياهو خلال سنوات العسل خلال مرحلة ترامب.
ثمة «انقلاب» في العلاقة بين الإدارتين الإسرائيلية والأميركية الراهنة لا يصل إلى مستوى تخلي الولايات المتحدة، عن مواصلة سياساتها، والتزاماتها تجاه وجود وأمن وتفوق إسرائيل، وإنما يعني أن ثمة مسافة تفصل الطرفين بشأن بعض الملفات الشرق أوسطية. وحتى لا يذهب البعض بعيداً، في تفسير مصطلح انقلاب، فإن السياسة الأميركية الراهنة تذكرنا، بما وقع من خلافات خلال ثماني سنوات من وجود الديمقراطي باراك أوباما في البيت الأبيض.
بدأ أوباما ممارسة مسؤولياته بخلاف مع حكومة نتنياهو حول الأولويات إن كانت تتصل بالملف النووي الإيراني، أو بعملية السلام، أو بالتزامن بين الملفين.
اختلف أوباما أيضاً مع الحكومة الإسرائيلية بشأن الاستيطان حيث طالب إسرائيل بوقفه كليا بصرف النظر عن الذرائع والمبررات، لكن إسرائيل لم تذعن، وواصلت سياساتها الاستيطانية حتى اضطر جورج ميتشل مبعوث أوباما لترك مهمته، بعد ثلاثة أشهر فقط.
نجحت إدارة أوباما في التوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي الإيراني وكان ذلك سبباً في تعميق الخلافات مع إسرائيل، التي رفضت ذلك الاتفاق، بدعوى أنه لا يمنع إيران من امتلاك قدرات نووية ثم حرضت لشن حرب على إيران.
ومرة أخرى لم تذعن إسرائيل، وتعمدت توجيه الإهانات لرجال إدارة أوباما حتى للرئيس الأميركي، ورغم ذلك لم تخرج الإدارة الأميركية عن السياق العام للعلاقات التاريخية ين الدولتين، بل إن إسرائيل تلقت المزيد من الدعم والمكافآت.
يبدو أن الرئيس بايدن وإدارته، قد راجعوا تلك التجربة جيداً بما يعيد إلى الواجهة، الخلافات ذاتها، ولكن في وضع مختلف حيث تعاني إسرائيل من عدم الاستقرار السياسي، وغياب سلطة القرار ما قد يستمر حتى لو جرت الانتخابات للمرة الرابعة في آذار المقبل.
نتنياهو الذي يحتاج إلى الدعم الأميركي وأي حبل إنقاذ، يمكن أن يساعده في البقاء على رأس السياسة الإسرائيلية، يواجه حالة من الإحباط، ذلك أن المؤشرات الأولية تفيد بحرص إدارة بايدن على أن لا تتدخل لصالحه.
وبالمناسبة فإن نتنياهو لم ينجح في أن يضمن مستقبله السياسي، رغم الدعم السخي الذي حظي به من قبل ترامب وإدارته، ورغم إنجازاته الخارجية خصوصاً على جبهة التطبيع مع عديد الأنظمة العربية ما يعني أن الأزمة السياسية والحزبية في إسرائيل أعمق من أن تتوفر لها حلول ترقيعية، وأنها تعكس أزمة بنيوية في الكيان.
الحراك الأوروبي والدولي، بشأن تجاوز الخلاف الشكلي بين الولايات المتحدة وإيران، ويتعلق بمن يبدأ تقديم إشارات عملية من أجل عودة الحوار، والعودة لاتفاق خمسة زائد واحد، هذا الحراك وصل إلى نتيجة إذ وافقت إدارة بايدن على العودة إلى طاولة الحوار.
العودة إلى طاولة الحوار لا تعني عودة الجميع للالتزام باتفاق 2015، فالولايات المتحدة، ومعها الاتحاد الأوروبي وإن كانا من حيث المبدأ يريدان العودة للاتفاق، لكنهما يرغبان في فتح الحوار بما يشمل دور إيران في المنطقة، فضلا عن برنامج الصواريخ الباليستية.
تبدو إيران في موقع أفضل، بعد أن صمدت أمام العقوبات الأميركية والأوروبية، وبعد أن سمحت لنفسها البدء بتخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، ما قربها أكثر لامتلاك قدرات نووية.
لقد تذرعت إيران، بانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق أيام ترامب، وبعجز الاتحاد الأوروبي عن الوفاء بالالتزامات المترتبة على اتفاق خمسة زائد واحد، بل إن الاتحاد الأوروبي حاول الضغط على إيران، وفرض عليها المزيد من العقوبات.
إسرائيل تصرخ ولا من مجيب، وربما يشعر قادتها بالندم الشديد لأنهم لم يستغلوا مرحلة ترامب، لتوجيه ضربة قوية لإيران.
الصراخ يبلغ حد الشعور بالحاجة للتصرف أحادي الجانب من قبل إسرائيل دون انتظار ما يسفر عنه الحوار الأميركي الأوروبي الإيراني، ولكنها ستجد نفسها في موقف صعب للغاية، إن هي حاولت القيام بعمل حربي، في الاتجاه المعاكس لاتجاهات السياسة الدولية.
بشكل أو بآخر، فإن هذا الوضع الذي تعيشه إسرائيل من شأنه أن يقلب بعض الحسابات، فيما يتعلق بدول الخليج التي راهنت على الدعم الإسرائيلي لها في مواجهة الخطر الإيراني، مضافا إلى ذلك أن إسرائيل لم تعد قادرة على دفع الإدارة الأميركية للوفاء بالتزاماتها تجاه اتفاقيات التطبيع.
من المتوقع خلال أشهر قليلة قادمة، أن تتسع دائرة الخلاف حين تبدأ الولايات المتحدة، نشاطها فيما يتعلق بملف الصراع الفلسطيني، الإسرائيلي وذلك على خلفية التزام الولايات المتحدة باستعادة العلاقات مع السلطة، وإعلان التزامها برؤية الدولتين.
لهذا السبب تستعجل إسرائيل، وتكثف مخططاتها الاستيطانية، قبل أن تنشأ ظروف دولية، تطالبها بوقف هذه السياسة، خصوصا أن المناخ الدولي العام لا يزال يرى في الاستيطان، مخالفة للقوانين الدولية، وعاملاً في إفشال مساعي السلام.
 

 

عن جريدة الأيام