نابلس - هاني عوكل - النجاح الإخباري - ثمة حاجة للحديث عن موضوع في غاية الأهمية، وهو مرتبط ارتباط وثيق بفيروس «كورونا» الذي أرهق العالم ودفع الكثير من البشر إلى مرحلة المرض والكآبة النفسية لأسباب لا تتعلق بالفيروس نفسه فقط، وإنما بتبعاته التي ضربت الاقتصاد العالمي وضغطت على الكثير من الدول.
«كورونا» في حد ذاته مشكلة عويصة ألغى مفهوم العولمة الإنسانية وفرض سياجاً قسرياً بين حركة تنقل الأفراد وحتى في الدائرة المغلقة للأسرة الواحدة، «كورونا» هدد النسيج الاجتماعي وفرض مسألة التباعد الاجتماعي وأوجد قلقاً إضافياً على قلق الإنسان في هذا العصر المتسارع.
العلة ليست في الفيروس وسرعة انتشاره وتحوره وتطوره إلى سلالات جديدة فحسب، بل هناك آثار جانبية يخلفها هذا «التسونامي» على حياة الدول والأفراد، وليس هناك من تدهور في الاقتصاد العالمي في العصر الحديث أضعفه إلى هذه الدرجة كما فعل ويفعل «كوفيد-19».
لنا أن نتخيل هذه المعادلة المؤلمة، «كورونا» يضغط على الأفراد وحركتهم وحرياتهم، ويجبرهم على البقاء في المنازل لفترات طويلة جداً، ورأس المال جبان لأنه بحاجة إلى حركة مستمرة في العرض والطلب، وكل ما أنتجه الفيروس تأثير سلبي على النشاطات الاقتصادية، الأمر الذي أدى إلى ضعف أدائها.
في الجانب الصحي التطبيبي، نتيجة لتحول الدول إلى الرأسمالية التي تشكل واحدة من أدواتها خصخصة القطاع الصحي وفرض رسوم ومبالغ كبيرة على التطبيب في القطاع الحكومي، فالعديد من الأفراد مجبرين على العلاج من هذا الفيروس على نفقتهم الخاصة.
ثمة خطط تأمينية للعاملين في بعض القطاعات العامة والخاصة، غير أن الكثير من الناس في مختلف دول العالم غير مشمولين في نطاق التغطية التأميني الصحي، ما يجعلهم خارج خطط العلاج المجاني، والأولى أن يكون القطاع الصحي واحداً من «التابوهات» التي لا ينبغي المساس بها والقطاع الحيوي الذي يفترض أن تدعمه الدول وتوفر العلاج المجاني لجميع البشر باعتباره حقاً من حقوقهم الأصيلة.
استكمالاً للمعادلة المؤلمة، الحديث يدور عن فيروس وأمراض معدية، وبالتالي تباعد اجتماعي، يضاف إليه تدهور اقتصادي وفقد وظائف كثيرة، ما يؤدي إلى تسريح العمالة وبالتالي فقدانها الأمان الوظيفي الذي يعينها على الاستمرار في تقديم الرعاية على نطاق أسرها.
تسريح العمالة يفاقم من الضغط الاقتصادي ويحوله إلى حالة نفسية صعبة جداً، قد تؤدي في كثير من الأحيان إلى خلاف أسري وطلاقات غير مبررة، وحدث أن فرض الفيروس على الناس مشكلات اجتماعية لم تكن موجودة من قبل، هذا عدا عن مرحلة الدخول في الاكتئاب والقلق التي تشكل مقدمات لأمراض نفسية كثيرة.
الأهم في المعركة ضد «كورونا»، هي المعركة مع الحالة النفسية للأفراد، والحال أن الطبيعة البشرية بين صعود وهبوط، بين الفرح والحزن والأمل واليأس، لكن مع ضغوط الفيروس ثمة تخوف من ظهور أمراض متنوعة تشمل اضطرابات الهلع والرهاب الاجتماعي والقلق المزمن.
كلما حصّن الإنسان من حالته النفسية ودفع البلاء عنه باعتماد أساليب وقائية صحية وحياتية، تمكن أكثر من إدارة أزمة «كورونا»، وهذا يشمل أيضاً تغييراً جذرياً في أسلوب الحياة مرتبطاً ببناء نمط حياة غذائي صحي متبوع بنمط حياة رياضي يقلل من احتمالات الإصابة بأي عوارض صحية وغير صحية طارئة.
يحدث الآن أن الدول تستعجل توفير اللقاحات بأسرع طريقة ممكنة، لكن يحدث كذلك أن «كورونا» فيروس متحور، ومثلما يتطور البشر يتطور هو كذلك، وهذا يعني أن اللقاح وحده ليس كافياً للقول إن أخذه يعني النجاة وضمان الحياة الكريمة وطرد الشر النفسي.
في الأساس تتداول الكثير من التقارير الصحية عن المدة الزمنية التي يستغرقها اللقاح في جسم الإنسان حتى تنتهي فترة احتضان المناعة ضد «كورونا»، وكذلك لا توجد معلومات دقيقة عن استجابة اللقاحات وتفاعلها بشكل جيد مع مختلف الفيروسات الوليدة من رحم «كوفيد- 19».
العبرة ليست في أخذ اللقاح فقط، وإنما في ضمان التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات إلى أن تنقشع هذه الغمة، والعبرة مرتبطة باتباع سلوك صحي يبني ويحقق المناعة المطلوبة في جسم الإنسان، والعبرة كذلك في ممارسة النشاطات التي تبعث على الهدوء والاسترخاء.
الحالة النفسية هي المعركة الأهم إلى جانب محاربة «كورونا»، ذلك أن القلق والخوف من الفيروس يهدد الكثير من حياة الأفراد ويجعلهم منغلقين بشكل رهيب في منازلهم، وأيضاً يجعلهم عرضة لأمراض أخرى نتيجة لتدهور مناعتهم بسبب قلة النشاط الرياضي والتحسب للغد.
سيعيش «كورونا» معنا كما هو حال الفيروسات الأخرى من الإنفلونزا إلى نزلات البرد وفيروس شلل الأطفال والتهاب الكبد الفيروسي.. إلخ. وكما تقول العبارة «العقل السليم في الجسم السليم»، فإن أفضل الحلول للتكيف مع الفيروس بتوفير مناعة كافية للجسم يقيه من الفيروسات، وعقل سليم هادئ لا ينشغل كثيراً في وساوس الأمراض.