أشرف العجرمي - النجاح الإخباري - الأخبار التي وردت من القاهرة تشير إلى حصول تقدم، وتشيع أجواء إيجابية في فضاء الانتظار الشعبي الذي تسيطر عليه حالة من الريبة والشك؛ نتيجة لتجربة مريرة مع اتفاقات سابقة لم ينفذ أي جزء منها على مدار سنوات الانقسام التي أعقبت انقلاب «حماس» على السلطة. والتفاؤل هذه المرة له ما يبرره؛ على ضوء ما حصل مع القضية الوطنية نتيجة لتغوّل المشروع الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي الذي لقي دعماً هائلاً غير مسبوق من قبل الإدارة الأميركية السابقة برئاسة دونالد ترامب سيّئ الصيت. ومع ذلك لا بد من رؤية العقبات والألغام التي قد تؤخر أو تعيق الاتفاق أو عملية التنفيذ في حال تم التوصل إلى الاتفاق.
يبدو أن حوارات القاهرة الجارية، والتي قد ينتج عنها اتفاق شامل أو جزئي قبل نشر هذا المقال، تجري تحت إطار ضغوط إقليمية مهمة على كل الأطراف، خاصة حركة «حماس» التي يعتمد النجاح من عدمه عليها أكثر من غيرها؛ لأنها هي التي تسيطر على قطاع غزة وتتحكم في كل ما يجري به. وهذا بطبيعة الحال لا يقلل من دور «فتح» والرئيس محمود عباس، الذي  يبدو أنه مصمم على خوض الانتخابات في كل الظروف حتى لو لم تنجح حوارات القاهرة. ويظهر أن مصر ترمي بكل  بثقلها السياسي والمعنوي في سبيل هذه الحوارات، وقد أرسلت رسالة إيجابية للقائمين على غزة بالإعلان عن فتح معبر رفح أمام حركة المواطنين من وإلى مصر حتى إشعار آخر، ولسان حالها يقول: اتفقوا وستجدون منا كل الدعم والتسهيلات. وستواكب القاهرة كل التفاصيل وستعمل على تذليل العقبات التي قد تبرز خلال لقاءات الفصائل.
الاهتمام المصري يركز على ضرورة إنجاز الوحدة الوطنية، وفي الأساس إنجاح العملية الانتخابية في إطار توافق يفضي لعودة السلطة الوطنية إلى قطاع غزة وترتيب الأمور هناك. وتُولي كل من مصر والأردن اهتماماً خاصاً بوحدة حركة «فتح» ونجاحها في الانتخابات. لأسباب تتعلق كذلك بالدور الذي من الممكن أن تلعبه هاتان  الدولتان في إطار الرباعية الجديدة (فرنسا وألمانيا ومصر والأردن) لدفع العملية السياسية بالتنسيق مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. والوحدة الفلسطينية في هذا الإطار يمكنها أن تسهم بدور فاعل وكبير في تشجيع الأطراف الدولية لرعاية مفاوضات سلام جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وربما عقد مؤتمر دولي للسلام. وقد تسهم كذلك في ممارسة ضغوط على الحكومة الإسرائيلية لوقف سياستها الاحتلالية التوسعية، التي في جوهرها تستهدف القضاء على فرص التسوية السياسية العادلة.
قد لا يتم حل كافة المسائل المطروحة على أجندة حوارات القاهرة، ولكن من الأهمية بمكان التوصل إلى حل شامل وتفصيلي لإجراء العملية الانتخابية بنجاح؛ فهي الخطوة الأولى الإجبارية في ممر الوحدة الوطنية بعد فشل كل المحاولات السابقة. وهذه العملية ينبغي أن يتم ضمان نزاهتها من حيث الإشراف عليها، ومن حيث الالتزام بنتائجها، وضمان وجود هيئة قضائية متفق عليها للبت في كل الطعون أو الادعاءات والدعاوى الخاصة بالانتخابات، خاصة بعد أن احتجت الفصائل على تشكيل محكمة الانتخابات، والقرارات بقوانين الأخيرة التي تتعلق بالسلطة القضائية.
وفي هذا السياق، من الضروري التوصل لاتفاق على تشكيل القوة الشرطية التي تحمي مراكز وصناديق الاقتراع. هذا عدا الحاجة لميثاق شرف، والتزام الجميع بنتائج الانتخابات مهما كانت. والبحث لاحقاً في التوافق حول تشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى المسؤولية في كل الأراضي الفلسطينية وتمكينها الكامل، تحديداً في قطاع غزة.
ومن المفضل أن يجري الاتفاق على الملفات التي كانت عالقة من المرات السابقة، مثل: ملف موظفي «حماس» في غزة، وملف السلطة القضائية وسلطة الأراضي والأمن، وغيرها، حتى يتم التسهيل على أي حكومة قادمة أن تمارس سلطتها وولايتها من دون منغصات كبيرة تحول دون أدائها لدورها. ولا شك أن أي تقدم في الانتخابات، وتشكيل حكومة متفق عليها وتحظى بقبول دولي، سيسهم في رفع الحصار الجائر المفروض على قطاع غزة، وسيمكّن السلطة من النهوض بمسؤولياتها في توفير احتياجات المواطنين، والنهوض بالاقتصاد الوطني، وبناء أسس الدولة الفلسطينية المستقلة العتيدة.
عبور عتبة الانتخابات بنجاح ستترتب عليه إنجازات كبيرة داخلياً وخارجياً، وهو منوط أساساً بالنوايا الطيبة والإرادة الحقيقية لكل الأطراف الفلسطينية المعنية، مع عدم إهمال ما يمكن أن تفعله إسرائيل للتشويش والتخريب إذا قررت أن تعيق العملية الانتخابية والوحدة الفلسطينية التي هي بلا شك لا تصب في مصلحة إسرائيل. ومع كل ما يمكن أن يبرز من معيقات ومحاولات للتعطيل من الخارج يبقى الفلسطينيون العنصر الأهم في ضمان النجاح أو الفشل. والكل بانتظار نتائج حوارات القاهرة التي يجب أن تنجح لكل الأسباب المذكورة أعلاه، وللانتصار للوطن.
 

 

عن صحيفة الأيام