هاني حبيب - النجاح الإخباري - تبدو القيادات الإسرائيلية وكأنها لا تصدق أنّ أردوغان يلتمس صادقاً قانعاً استعادة العلاقات العلنية الطيبة معها، وما يحدث أنّ إسرائيل بمستوياتها الرسمية والحزبية وكذلك الإعلامية لا تتعامل بالجدية المطلوبة المتوقعة مع هذا التهافت لفتح صفحة جديدة بين أنقرة ودولة - الاحتلال الإسرائيلي-، تبدو إسرائيل أكثر تردداً وربما تشكّكاّ بالمسعى التركي، إلاّ أنّ ذلك لا يعدو وفقاً لبعض الآراء شكلاً من أشكال الابتزاز للإدارة التركية المنزلقة والنادمة على بعض الخطوات التي سبق وأن اتخذتها أنقرة إثر العدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة وأحداث سفينة مرمرة، اعتراف أردوغان بأن العلاقات الاستخبارية كانت مستمرة طوال فترة القطيعة العلنية، وأن تراجع هذه العلاقات يعود إلى موقف بعض الأشخاص في إسرائيل، وكأنه بذلك يعفي إسرائيل الرسمية من مسؤولية تدهور العلاقات العلنية باتهام أشخاص وأفراد وتحميلهم مسؤولية هذا التراجع.

نظرياً، كان من المتوقع أن تسارع إسرائيل إلى الترحيب بالاندلاق التركي الذي عبّر عنه أردوغان ومستشاروه، لكن ما حدث هو عكس ذلك تماماً، فإن معظم ما صدر في إسرائيل على محدوديته تضمن تشكيكاً مصطنعاً في دوافع أردوغان، بل وأكثر من ذلك اتهامه بأنه سرّب ما قيل عن قنوات اتصال سرية منذ بضعة أشهر بين تركيا وإسرائيل أن ذلك يهدف إلى الوقيعة بين إسرائيل وأصدقائها في اليونان وقبرص، وخاصة في سياق تهديد صفقة الغاز الموقعة بين هذه الأطراف.

مستشار الرئيس أردوغان للسياسة الخارجية أسعد جاستين في حوار له مع «صوت أميركا» يقول إن بلاده ستخطو نحو إسرائيل خطوتين إن بدأت إسرائيل بخطوة واحدة. لكن إسرائيل في الغالب لن تخطو الخطوة الأولى وربما لن تخطو أي خطوة على الإطلاق إلاّ بعد أن تستمر إدارة أردوغان بمزيد من الاستجداء لاستعادة العلاقات معها، ذلك أن دعوات التقارب التركية المتكررة من شأنها أن تشكّل ضغطاً على أنقرة للاستجابة للشروط الإسرائيلية، والواقع أن ليس هناك رفض إسرائيلي ولكن هناك محاولة جدية لإخضاع تركيا وتعريتها عقاباً على سياسات وتفوهات سابقة كان قد أدلى بها أردوغان وأركانه ضد إسرائيل.

إسرائيل تقول في سياق تجاهلها للدعوات التركية بأن ليس لها مصلحة فعلية في هذا التقارب، وأن أسباب الاندلاق التركي يعود إلى استخدام إسرائيل في المواجهة المحتملة بين إدارة بايدن وأنقرة، وأن إسرائيل من الممكن أن تلعب دوراً في تخفيف حدة السياسات التي من المحتمل أن تقوم بها الإدارة الأميركية الجديدة ضد أنقرة بالنظر إلى التأثير القوي لإسرائيل على مجلسي الكونغرس في الولايات المتحدة.

ولا شك أن التهافت التركي للتطبيع مع إسرائيل يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالخريطة السياسية والأمنية والاقتصادية الجديدة للمنطقة إثر انطلاق عملية التطبيع العربي مع إسرائيل والتي قادتها دولة الإمارات، وإسرائيل صاحبة مصلحة كبيرة في انضمام تركيا في التحالف الذي تقوده الدولة العبرية لكي يتحول من تحالف سني عربي إلى تحالف سني إقليمي، بحيث يشكل أحد أهم التحالفات ليس في المنطقة بل على الصعيد العالمي.

إن انضمام تركيا إلى هذا التحالف يوفر لإسرائيل قدرة إضافية على تطويق وربما تطويع حركة حماس بعد أن تفقد الحركة مجالها الحيوي في الحراك الخارجي، خاصة بعد إزالة الكوابح أمام قطر للالتحاق بركب التطبيع، بعد أن تفقد الحركة حرية الحركة بين العاصمتين أنقرة والدوحة.