أحمد حمودة - النجاح الإخباري - طالب دكتوراه مستوى ثالث بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار بتونس

مع تفاقم انتشار وباء الكورونا في العالم نستنتج بأن الدولة والإعلام أصبحا طبيبين، كلٌ في موقع لمكافحته ووقف سريان عدوانه، إذ جمعها هدفٌ واحدٌ وهو عدم السماح للفيروس بالانتشار، فتجلّى دور الإعلام بالإخبار والتفسير والتوعيّة واستنهاض روح المسؤولية واحترام الإجراءات المعلنة، والدولة بمؤسساتها لتأكيد ضرورة تدخّلها في مقاومة تفشي العدوى ومحاربة الفيروس.

إنّ أزمة الكورونا تدفعنا دفعًا إلى التساؤل عن الإعلام الخدماتي المختصّ, سواء من حيث التكوين الأكاديمي أو طبيعة الدورات التكوينية أو أقسام المؤسسات الإعلامية أو الملمح الاحترافي للصحفيّ، وهذه مقاربة تقودنا لاستنتاج افتقار وجود الإعلام المتخصص كالصحافة الطبيّة والصحيّة والعلمية، أسوة بالصحافة العالميّة، وهذا ما لحظناه في أزمة كورونا التي كشفت العولمة وكشفت أهميّة الصين كمصنع للعالم.

لم تقمّ الصحافة الفلسطينيّة بالدور التحذيري للمواطنين على أكمل وجه، فالحملات التوعوية الخاصة بجائحة كورونا ضعيفة الحضور والتصوّر، ولا توجد بها نبرة زائدة عن خطورة الوضع. إذ تمثّلت بومضات كلاسيكية باهتة كأنها صممت في ظرف عادى. وغابت الومضات الصادمة المباشرة حفاظا على مصلحة الناس، لأنّ المواطن في هذه الأزمات لا يقوم بالإجراءات الوقائية ويحترم الإجراءات التي وضعتها الدولة إلا عندما يخاف.

وفي السياق ذاته كشفت أزمة كورونا بأن وسائل الإعلام الفلسطينية تحوّلت إلى ملحق صحفي إلى وزارة الصحة بمعنى أنّها أكتفت بإعادة نشر ونقل ما تنشره مصالح الاتصال في الوزارات من مؤتمرات وندوات صحفيّة، وهذا ليس الدور المنوط بها، إذ لا يوجد عند أغلب الصحفيين الأدوات والموارد التي تؤهلهم لتقديم صحافة الجودة.

أصبحت الحاجة ملحّة إلى إعلام فلسطيني قوي ومسؤول يقدم مضامين ذات جودة ومصداقيّة من ناحية، ويقوم بدور الرقابة "رقابة السلطة السياسيّة" من ناحية أخرى. فهل من المعقول عدم وجود برامج استقصائية في الإعلام الفلسطينية حول كيفيّة استيراد المعدّات الطبيّة، واستقصاء المحتكرين والمضاربين في السلع الأساسيّة والمنتجات الطبيّة، والبحث عن عقود الصفقات العمومية المنشورة للإطلاع على الأشخاص والشركات الذين أوكلت إليهم مهمة التزوّد بالمعدات الطبيّة ومحاولة التأكد إذ كانوا مختصين في المجال الصحي أم لأ، وما هي علاقتهم بالمسؤولين في الدولة.

وفي السياق الذاته البحث حول المساعدات الأجنبيّة، من أين تأتي؟ وكيف؟ والتأكد من مدى تطبيق الإجراءات التي تعلن عنها الحكومات فيما يخص جلب الكمامات أو أدوات الوقاية للإطار الصحي fact checking، وهنا يمكن سؤال الإطار الطبي والعاملين في المجال الصحي إذا ما وصلتهم هذه المستلزمات أم لأ؟ أو إهمال الصحة العموميّة لفائدة القطاع الخاص وإهمال البنية التحتيّة الاستشفائية وغض الطرف عن الظروف الصعبة للعمل بالنسبة للإطار الطبي أو هجرة الأدمغة، والبحث عن عدد أسّرة الإنعاش، وعدد الأطباء والممرضين وعدد المستشفيات ومقارنة ذلك بعدد السكان وبالمعايير العالميّة. وذلك لتحديد النقص في الموارد البشريّة وفي البنيّة التحتيّة، أو الاستقصاء عن أوضاع الجاليات الفلسطينية ذوي الحاجات الخصوصيّة التي تزداد وضعياتهم سواءا في حالات الأزمات وخاصة خلال انتشار الأزمة وكيف يعيشون الأزمة؟ فسرعان ما يتم اتهام الصحفي أو المواطن الصحفي بأنه أضر بالأمن العام، كونه يكشف الإخلالات في سياسات ومنظومات الدولة.

لاحظنا في الصحافة الأوربية استضافتهم للصحفي المختص في القنوات الإخباريّة في المعالجة الإعلاميّة لأزمة كورونا، وما شاهدناه في الإعلام الفلسطيني ظهور السياسيين الذين تم استضافتهم للحديث حول الجائحة ويقدمون النصائح للهيئة الطبية لوزارة الصحة، ويتكلمون في كل شيء.

انتشرت الأخبار الزّائفة في المجتمع الفلسطيني وصدّقها الكثير من الفلسطينيين عبر منصات الميديا الاجتماعية لأنّ وسائل الإعلام الفلسطينية لم تقم بدورها في عمليّة صحافة التحرّي، إذ ترتبط الأخبار الكاذبة بالميديا الاجتماعية كونّها ذات طبيعة وبائيّة تنشر المضامين بها على نطاق عالمي، وتغيب العقلانيّة عنها. فهي تقدم أخبارا خاطئة عن عمد وقد صممت للتضليل بهدف بث الهلع والخوف عبر اختلاق وقائع غير حقيقيّة وتزييفها.

ختامًا. أعتبر بأن الأزمة هي فرصة لاستكشاف الحلول الجديدة لتجديد الذات، وأخذ القرارات لتقييم المنظومة الإعلاميّة في فلسطين وإعادة ترتيبها وأنّ لا تنحصر أدوار وسائل الإعلام الفلسطيني في دور واحد وهو نقل المعلومة والخبر، على حساب أدوار التحرّي والتفسير والاستقصاء والتعليق، فإذا تخلىّ الصحفي عن واحدة فلا تستقيم العمليّة. فالصّحافة القويّة ذات المصداقيّة هي الحل الأحسّن في إدارة الأزمات، بالرغم وجود وجهات نظر أخرى مخالفة تنظر إلى عودة الدولة القومية وسيادتها السلطوية الشمولية على كل مؤسّساتها ومرافقها.