عمر حلمي الغول - النجاح الإخباري - شرارة انفجار الشارع اللبناني الخميس، والذي تواصل امس الجمعة جاء بعد ان طفح الكيل، وبلغ السيل الزبى مع الإعلان عن فرض ضريبة جديدة على المواطنين، الذين يستخدمون موقع "الواتساب" من بداية العام القادم بمقدار 20 سنتا من الدولار الأميركي عن كل يوم. 
كانت الضريبة الجديدة بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر الحالة التوافقية بين البناءين التحتي والفوقي، وأسقطت جدران حالة الهدوء الوهمي في اوساط الشارع اللبناني. لا سيما وان مظاهر الفساد السياسي والاقتصادي والأخلاقي والقيمي اقتلعت كل قدرة على الاحتمال والصبر في اوساط الفقراء والمسحوقين، وحتى بين الشرائح والفئات والطبقات الاجتماعية الميسورة نسبيا، من برجوازية صغيرة ووسطى من ابناء لبنان، كل لبنان دون تمييز بين منطقة وأخرى. حتى ابناء المؤسسة العسكرية أصيبوا بنتائج الضرائب المتوالدة، وكأني أستحضر ما يجري في لبنان، مع ما تقوم به قيادة حركة حماس في قطاع غزة المختطف، حيث تبتز جيوب البؤساء، وتمتص دماء المواطنين دون اي وازع. 
لبنان كله نزل إلى الشارع من الجنوب إلى الشمال، ومن الغرب إلى الشرق، التظاهرات عابرة للطائفية والدين والجغرافيا الجهوية والمناطقية، ومتحدية أمراء المناطق، وخارجة عن إرادتهم. ولم تعد طريق من الطرق مفتوحة، كل الطرق على الأتوسترادات والشوارع الرئيسية والفرعية مغلقة في وجه الناس، ووزير التربية والتعليم أعلن اغلاق المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية خشية من التداعيات، وهناك إغلاق طوعي للمحال التجارية والمؤسسات الخاصة والعامة. حتى بدا الشارع اللبناني من اقصاه إلى أقصاه موحدا، ويهتف بصوت واحد ضد إجراءات وسياسات الحكومة الحالية، برئاسة سعد الحريري، والمطالبة بإقالتها، لأنها تقف في واجهة الأحداث (مع ان الأزمة وتفشيها سابقة على الحكومة الحالية)، لكن ما زاد الطين بلة، وضخم علامة السؤال الكبيرة على الحكومة مبادرة وزير اتصالاتها، محمد شقير، بالإعلان عن الضريبة الجديدة، وحتى عندما حاول التخفيف منها، تورط أكثر فأكثر في مأزقه وخطيئته، عندما قال "الضريبة على كل مواقع التواصل الاجتماعي، وليست على الوتس اب". ثم لاحقا بعد انفجار الوضع خرج بتصريح  أعلن فيه "وقف الضريبة. ولكن بعد فوات الأوان. اضف إلى انه حاول ان يلصق فرض الضريبة بكل مكونات الحكومة اللبنانية، وتبرئة نفسه من المسؤولية الخاصة، وتبرئة كتلة المستقبل، التي ينتمي لها. غير أن العديد من القوى اللبنانية المشاركة فيها، منهم ممثلو حزب الله، وحزب القوات اللبنانية، والتقدمي الإشتراكي وغيرهم تبرأوا  مما ذكره شقير، ونفوا علمهم بالأمر، وأعلن وزير المالية، علي حسن خليل (حزب الله) ان شقير هرب الضريبة تهريبا، ليس هذا فحسب، بل ان سامي الجميل، رئيس حزب الكتائب طالب بإقالة الحكومة، وطالب بحل البرلمان وإجراء انتخابات برلمانية جديدة. وكذلك نادى حزب القوات اللبنانية برحيل الحكومة، مع انه حليف الحريري. وهو ما يشير إلى ان الصورة في الساحة اللبنانية تسير نحو آفاق غير معلومة ومجهولة التداعيات. 
وكما ذكرت الأزمة ليست وليدة الضريبة الأخيرة، وإن كانت هي الشرارة، التي اشعلت السهل، فسبقها أزمة الليرة اللبنانية، والبنزين، وارتفاع المواد الأساسية، وانخفاض الأجور، والنفايات، والوظائف، والكهرباء، وتعاظم دور الاقتصاد الريعي، وانتفاء الاقتصاد المنتج، تفشي مظاهر الفساد بكل عناوينه وتلاوينه في كل زاوية، ومؤسسة وحيثما وليت وجهك. كما ان الأزمة أخذت وجها آخر طال ابناء الشعب الفلسطيني، الذين يخضعون لعملية ابتزاز عنصرية رخيصة من قبل وزير العمل اللبناني، والتي تركت استياء واسعا في صفوف ابناء الشعب اللبناني، وعمقت التعاضد بين ابناء الشعبين الشقيقين، مع ان الأساس في الثورة اللبنانية، هو ما سبق ذكره، اي الجوع والفقر والفاقة والحرمان ونهب اموال الشعب دون وجل أو خشية. 
إذًا الأزمة عميقة جدا، وهددت مستقبل الشعب اللبناني. وإذا استمرت الحالة الشعبية في تعاظمها وثوريتها، فأعتقد انها قد تتجاوز مطلب إقالة الحكومة، لتضرب وتعصف بنيرانها الطائفية والمذهبية، وترتد على القوى المتنفذة في لبنان. لكن ما زال من المبكر توسيع دائرة الاجتهاد وعليه فإنني سأبقى متحفظا في استشراف مستقبل الثورة اللبنانية. واترك للأيام القادمة تقدم جوابها على السيناريوهات المحتملة في لبنان.
[email protected]

الحياة الجديدة