عقل أبو قرع - النجاح الإخباري - من خلال الموقع الجغرافي المميز، والنظام البيئي الفريد، والأهمية الاقتصادية الاستراتيجية، وما تحويه من ثروات طبيعية ومن مياه جوفية ومن تنوع حيوي، لا يجادل أحد أن منطقة الأغوار الفلسطينية من المفترض أن تكون أولوية وطنية للحكومة ولمختلف المؤسسات ذات العلاقة، بحيث يتم الاستثمار فيها من مختلف الجوانب، سواء من خلال البنية التحتية، أو من خلال الحوافز المالية، أو من المشاريع الكبرى، أو من خلال الحفاظ على البيئة، رغم وقوع معظم أو جميع هذه المنطقة، في ما بات متعارفاً عليه بمناطق (ج).
وباستمرار تبين التقارير الأخطار المحدقة بمحاصيل تشتهر بها منطقة الأغوار مثل محصول التمر والموز اللاتي طالما اشتهرت بهما الأغوار، والسبب هو النقص في المياه، او بالتحديد جفاف آبار مياه جوفية كانت تستعمل للري، وبالتالي فان إنتاج وحتى تصدير التمر الفلسطيني من منطقة الأغوار تناقص، بل حتى تلاشى انتاج محصول الموز في بعض المناطق في الأغوار خلال السنوات الماضية، والسبب هو اما نقص المياه او زيادة ملوحتها او تداعي خصوبة وإنتاج التربة، وهذه الأمثلة مؤشر لأهمية الاهتمام بل اعتبار الحفاظ على منطقة الأغوار أولوية وطنية، سواء من الناحية الزراعية والإنتاج أو الأمن الغذائي، أو من الناحية الاقتصادية والتصدير، او حتى من الناحية السياسية وما لإهمال هذه المنطقة من تداعيات على الأوضاع الحالية والمستقبلية.
ونحن نعرف مدى الاهتمام الإسرائيلي، بل الحملات المتواصلة، من اجل التشبت والاحتفاظ بمنطقة الأغوار الفلسطينية وعدم تركها حتى في حال التوصل الى اي اتفاق سلام فلسطيني إسرائيلي شامل او دائم او حتى الى اتفاق إطار، ولا عجب ان من قام ويقوم بهذه الحملة هم من أحزاب او تكتلات سياسية مختلفة، ومن ضمنهم وزراء ونواب وزراء ورؤساء كتل.
ولا عجب بأن يتم المناداة، بأن تبقى منطقة الأغوار جزءا من دولة إسرائيل، الآن وللأجيال القادمة كما تطالب الحكومة الحالية وتقريباً غالبية الأحزاب الإسرائيلية، وهذا كله يؤكد كم هي مهمة او حيوية منطقة الأغوار، ليس للجانب الإسرائيلي فقط، ولكن للمواطن الفلسطيني او للدولة الفلسطينية القادمة في المستقبل، من نواح عديدة متنوعة، منها المياه والزراعة والسياحة والصناعة والثروات المعدنية والتواصل مع الداخل، والاهم البعد النفسي والسياسي من خلال التواصل مع الخارج وما يعنيه ذلك من معابر ومن حدود وسيادة واستقلالية، والتنقل بحرية او بسهولة او بكرامة، بعيدا عن التفتيش والتأخير والانتظار والاهانة.
ومعروف ان منطقة الأغوار تشكل حوالي 30% من مساحة الضفة الغربية، وحسب تصنيف المناطق الى أ، وب، وج، فإنها تشكل نسبة كبيرة من المناطق المصنفة "ج" تزيد على الـ 50% منها، اي المناطق المهمة والاستراتيجية، او المناطق التي بقيت وما زالت وحسب اتفاقية اوسلو تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة، أي التي وبشكل عام لا يستطيع الجانب الفلسطيني استغلالها او التحكم بها استراتيجياً، وما لذلك من خسائر فادحة على الاقتصاد الفلسطيني.
وأكدت الدراسات المختلفة أهمية منطقة الأغوار للاقتصاد الفلسطيني، والتي تمتاز تربتها بالخصوبة العالية، القادرة على انتاج محاصيل متنوعة، للاستهلاك المحلي وللتصدير، والتي تحوي ثلث احتياطات الضفة من المياه الجوفية، وتأكيداً لأهمية مناطق الأغوار للفلسطينيين، فقد أشار احد التقارير الدولية، الى ان انتاج المستوطنات الإسرائيلية في الأغوار فقط في الوقت الحالي، يصل الى حوالي 500 مليون شيكل سنوياً.
وبالتالي فان مناطق الأغوار يمكن أن تكون السلة الزراعية الأساسية للفلسطينيين، أسوةً او مقارنة مثلاً بمنطقة البنجاب الهندية، التي تعتبر السلة الغذائية لدولة ضخمة مثل الهند، خاصة واننا بحاجة الى توفر المحاصيل الزراعية بالكمية والنوعية وبالسعر المناسب وفي الوقت اللازم، اي أننا بحاجة الى توفر نوع ما من الامن الغذائي، واننا كذلك بحاجة الى انتاج محاصيل بنوعية متميزة وفي أوقات ملائمة للتصدير، ومنطقة الأغوار هي القادرة على تحقيق ذلك، الآن وفي المستقبل.
ومناطق الأغوار تحوي الأرض المستوية، اي الاراضي السهلة المتواصلة، اي التي يمكن الاستثمار فيها او اقامة مشاريع استراتيجية كبيرة وبأنواعها، والتي تحتاجها الدولة الفلسطينية القادمة من اجل الانتاج، والاهم من اجل التشغيل او التخفيف من شبح او من غول البطالة الذي بات يشكل هاجساً تقريباً لكل شاب فلسطيني، وبالأخص لكل خريج فلسطيني، ومن هذه المشاريع الضخمة، المطارات والمصانع بأنواعها وشركات التكنولوجيا والخدمات والتصنيع الزراعي وصناعة السياحة.
وفي وضع مثل أوضاعنا من الحاجة المتزايدة للمياه، اي المياه الصالحة، وفي ظل عدم وجود مصادر أساسية للمياه السطحية في بلادنا، فان خزانات المياه الجوفية التي تحويها مناطق الأغوار هي الحل، للحياة وللزراعة وللاقتصاد وللنشاط البشري، وكيف للدولة الفلسطينية القادمة بأن تحيا وتتقدم وتزدهر بدون مياه، اي بدون مياه الآبار الجوفية التي تتواجد في مناطق الأغوار، وكذلك بدون ذلك الجزء البسيط من المياه السطحية للفلسطينيين اي تلك الحصة من نهر الاردن.
ومعروف ان من مقومات او من مكونات الناتج القومي الاجمالي الفلسطيني التي لم تستغل كفاية هي السياحة، واستغلال السياحة ليس فقط للحفاظ على الوضع الحالي ولكن لتحقيق النمو والزيادة في هذا الناتج القومي، ولكي تنشط السياحة وتحقق الحصة المنشودة في الاقتصاد الفلسطيني فهي بحاجة الى منطقة الأغوار، التي تشمل اقدم موقع في التاريخ، وتحوي اخفض نقطة في العالم، والتي تحوي كذلك مدينة أريحا ومناخها الشتوي المميز، وتحوي قصر هشام والبحر الميت وما يضمه من ثروات وأملاح وموقع ومناخ، وكل هذه عوامل جذب للسياح من مختلف الأديان والأجناس والأعمار والدول.
وهناك كذلك الصناعة التي يمكن ان تقوم بالاعتماد على السياحة كما يمكن ان تقوم على الزراعة، اي الصناعة التي يمكن ان تقوم باستغلال الثروات المعدنية بأنواعها من البحر الميت، وهناك الصناعة التي يمكن ان تستغل المناخ الفريد والتربة المتنوعة التي تحويها الأغوار، من زراعة للنخيل ومن ثم انتاج التمور، او من زراعة الموز او الأزهار او النباتات الطبية، او محاصيل او أنواع محددة من المحاصيل التي يمكن زراعتها ومن ثم استغلالها صناعياً في الأغوار فقط.
ومن ناحية الدخل القومي والإنتاج المستدام، فإن تقارير دولية تشير الى أن منطقة الأغوار فقط يمكن ان تدر للاقتصاد الفلسطيني، حوالي مليار دولار سنوياً، اذا تم استغلالها بالكامل، اي اذا تم إزالة العوائق الإسرائيلية، فدعنا نفترض أننا وحسب الوضع الحالي، واذا قمنا باعتبار ذلك أولوية وطنية، يمكن تحقيق ليس الاستغلال الكامل، ولكن نسبة معينة من هذا الاستغلال، او بالأحرى العمل ومن خلال المستوى الوطني من اجل الحفاظ على زراعة النخيل وغيرة من المحاصيل في الأغوار، واعتبار ذلك أولوية، وهذا يعني توفير المزيد من الفرص للعمل، والحفاظ على الأسعار، وتوفير المنتج الوطني المحلي الذي يدعو الجميع الى دعمه وحمايته.

نقلا عن صحيفة الأيام