نابلس - منال الزعبي - النجاح الإخباري - ايناس عباهرة ابنة مدينة جنين كانت على موعد مع نقطة تحوّل، وهي على أبواب التخرج الجامعي بتخصص التحاليل الطبية، تحمل باقة الورد بيدها وبالأخرى دبلة خطوبة، داهمها مرض تسلل لأطرافها وأعاق حركتها، أسقط دبلتها لكنَّ الورد كله تفتح في روحها.

في لقاء جمعها وزهرات برنامج "ذوو الهمم" عبر فضائية النجاح، أطلّت إيناس كعادتها بكامل أنوثتها وألقها، تحّدثت بهمة عالية عن تحطيمها للإعاقة.

بداية الحكاية

بدأ الضعف يتسلل لعضلاتها، وثقل في الخطوات قادها لمختبرات التحاليل وعيادات الأطباء للكشف عن الأسباب، لتعلم أنّها مصابة بمرض (Myopathy) (اعتلال العضلات)، مرض سلبها القدرة على المشي بحرية والركض والحركة، إلا أنَّه حرّك بداخلها كوامن لم تكن تعرفها تضج بالقوة والإرادة والحياة فاستحقت أن تكون من ذوي الهمم.

الصدمة والرفض الاجتماعي الذي أنهى ارتباطها وهي في مرحلة الخطوبة شكّلا دافعًا لتفجير طاقاتها، قالت: "المرض ليس محنة إنما منح من الله عز وجل نقلني من الخجل والحساسية المفرطة إلى القوة والجرأة والصدق مع النفس والناس".

ورغم كثرة الأيادي التي امتدت لتساعد إيناس وتكون يديها ورجليها إلا أنَّها أصرَّت على الاعتماد على نفسها، أرادت أن يكون الووكر صديقها فأكسبته من أنوثتها إذ حوَّلته من اللون الرمادي إلى الزهري، حتى أصبح رمزًا لشهرتها وعلمًا دالًّا عليها يستقطب كلَّ من يراها لأخذ صور تذكارية معها ربما تدفعه للحياة.

بعد رحلة من الصمت والبكاء أيقظت كوامنها، أعطت إيناس الأصحاء درسًا في الحياة: "بكيت وحدي كي لا يتألم أهلي، فاض ألمي حبرًا على ورق، وقفت أمام المرآة وواجهت ذاتي، ثمَّ لجأت لمعالج نفسي اجتماعي، قادني للألوان والرسم، وعلّمني أنَّ الأسود والرمادي موجود في نفوسنا إذا حجبنا أشعة الأمل عن أرواحنا، في عزّ أزمتي هناك أيادٍ صديقة تشبثت فاستحقت قربي، أمي هي الملجأ والعكازة الأولى، هي صدى الصمت ووعاء الكلام، هي الحضن والأمان".

من المحنة إلى المنحة

وبابتسامة تفيض على محياها تعلن الأمل أضافت: "عالمي وأنا وأمي ثمَّ تلاشي المجتمع، تلاشى المرض، وبرز الطموح".

هذا المرض الذي دفع إيناس من تخصص التحاليل الطبية إلى النوافذ الإعلامية لتطل على الناس بشخصيتها الحيوية المتفجرة بالطاقة والأمل.

قالت عن تجربتها، في دورة حول اكتشاف الذات: "الأستاذ وسيم غزاوي، وكان مذيعًا لفترة، أخبرته حلمي أن يعيش اسمي حتى إن مت، وأن يكون لاسم إيناس عباهرة صدىً مسموعًا في العالم كله، فعرض علي العمل في الإذاعة، وفعلا عملت كمتطوعة، وهناك، خلف المايك كنت أنا بطريقة مختلفة عن الآخرين، لفتت وجذبت أشخاصًا قدموا لي العروض للعمل، فكانت نافذة مشرقة وفاتحة خير أطلت منها روحي".

برامج عديدة قدمتها إيناس ببصمة خاصة، منها برنامج "نص ساعة إبداع" الذي استقطب المبدعين من أبناء البلد، إلا أنَّ شخصيتها وقوتها المتفجِّرة كانت الجاذب الأكبر.

راديو البلد في جنين كان الطموح الأجمل رغم المعيقات، تقدَّمت وطرقت الباب فجاءها الرد عاجلًا، وهنا ذكرت العبارة التي عاشت في ذهنها ولن تموت، قالها زياد شلبك مدير الإذاعة "تعنيني الصحة النفسية، أنت مرحّب بك".

قدّمت برنامجها الأول هناك، "نص سوشال نص ميديا"، طرح قضايا البلد وتعاطي الناس لها خلال ساعة مناصفة بين الموضوع ومواقع التواصل الاجتماعي.

وتتالت برامجها بنكهتها الخاصة،"ستوري، تمر هندي، وغيرها..

ما يميز إيناس أنَّها لا تقف، فطموحها يركض بها للتطور المستمر متخذة من التجربة حصانًا ينقلها حيث تريد.

مقدمات برنامج ذوو الهمم نرمين وأمل وهما من ذوي الإعاقة، قدمتا الشكر والامتنان لفضائية النجاح لاحتوائها لمواهب وقدرات هذه الفئة، وأنَّ هذا البرنامج هو خطوة أولى على طريق الحلم.

واختتمت عباهرة حوارها بأنَّ عملها المزدوج بين الإعلام والصحة المركزية في مدينتها جنين كان بمثابة علاج لها.

وأضافت أنَّ المرض والغربة تصبحان عدسة تدلُّك على ذاتك وتفاصيل الحياة التي يجهلها الكثيرون.

ودعت الناس للمشاركة والالتفات لذوي الهمم من خلال الحملات كحملة "الإعاقة لا تلغي الطاقة" والتي  سعت من خلالها لموضوع المواءمة في الجامعات لمساعدة ذوي الإعاقة وملائمة المكان لإعاقتهم.

وذكرت مشاركتها في منبر شيكان الذي نظّمته مؤسسة شغف لاستقطاب النساء الملهمات مزامنة بيوم المرأة وحضرته العديد من النساء وهو المنبر الأول الذي صعدته ايناس وظهرت على الناس رفقة الووكر الزهري بقوة وثبات لم يهزه المرض.