وكالات - النجاح الإخباري - أثارت فتوى مفتي العراق لأهل السنة الشيخ مهدي الصميدعي بتحريم الاحتفال بميلاد السيد المسيح ورأس السنة وتهنئة المسيحيين بذلك جدلا ورفضا واسعين من مختلف الفعاليات الدينية والاجتماعية والسياسية معتبرة ذلك اساءة للمسلمين وتشجيعا على العنف والتطرف، فيما ردت الحكومة بارسال قانون إلى البرلمان لاعتبار ميلاد المسيح عطلة رسمية في البلاد.

وقالت الامانة العامة لمجلس الوزراء العراقي الاحد إن مجلس الوزراء اصدر توصية إلى مجلس النواب بتعديل مشروع قانون العطلات الرسمية بالنص على إضافة يوم 25 ديسمبر من كل عام عطلة رسمية بمناسبة عيد ميلاد السيد المسيح. 

وأشارت في بيان " إلى أنّ القانون أرسل إلى مجلس النواب ويتضمن تعديلا آخر باعتبار يوم تحرير أرض العراق من تنظيم داعش في العاشر من ديسمبر العيد الوطني لجمهورية العراق وعطلة رسمية من كل عام. معروف ان القانون العراقي ينص على اعتبار اليوم الاول من العام الميلادي عطلة رسمية ايضا.

وكان الصميدعي وهو مفتي العراق السني رسميا قد أفتى خلال خطبة الجمعة الماضي بحرمة الاحتفال بأعياد رأس السنة الميلادية او تهنئة المسيحيين باعياد الميلاد قائلا "لا تشاركوا النصارى الكريسمس لان هذا معناه بأنكم تعتقدون بعقيدة الثالوث".

تحذير من فتاوى التطرف والتحريض

وقد وصف زعيم ائتلاف الوطنية اياد علاوي ما صدر عن الصميدعي بأنه يدخل ضمن "فتاوى التحريض والتطرف" وتساءل حول ما اذا كانت الحكومة العراقية مارقة يوم ميلاد المسح عطلة رسمية. 

وشدد مكتب علاوي في بيان صحافي اليوم تسلمت "إيلاف" نصه على اهمية إرساء ركائز واسس التعايش السلمي وتحقيق المصالحة الوطنية وترميم نسيج المجتمع جراء ما اصابه نتيجة السياسات التي اعتمدت المحاصصة والتهميش والاقصاء والطائفية السياسية وتسييس الدين وعدم ابعاد دعاة التطرف والتحريض والكراهية عن مواقع التأثير".

وأشار إلى أن "المسيحيين شريحة كريمة من شرائح مجتمعنا العراقي الاصيلة وقد طالها من الظلم والمعاناة ما طال أبناء الشعب العراقي، ولذلك فإن ائتلاف الوطنية يستنكر الفتاوى والخطابات البغضية التي تستهدف الطائفة المسيحية الكريمة بالنيل من وحدة الشعب وتماسكه وتعايشه الأخوي البنّاء خاصة اذا كانت تصدر عن رجال دين مسؤولين امام الله ثم الشعب على تحكيم قيم القرآن الكريم والإسلام  عوضاً عن إثارة الشكوك والطعون وخلط الاوراق التي لن تؤدي الا إلى المزيد من الفوضى.

وقال ان "الحكومة اعلنت يوم 25 ديسمبر عطلة رسمية بمناسبة ولادة السيد المسيح (عليه السلام) فهل هذه الحكومة او الدولة هي دولة مارقة".. محذرا من مغبة الانزلاق بما اسماه الدرب المظلم.  

فتوى معادية لتعاليم ومبادئ الاسلام

ومن جهتها، أكدت وزارة الاوقاف والشؤون الدينية في حكومة اقليم كردستان ان ما صدر عن مفتي الدولة العراقية معاد لتعاليم ومبادئ الدين الاسلامي.

وأشارت الوزارة إلى أنّه "في الوقت الذي يستذكر معظم دول العالم هذه المناسبة وتستعد دول العالم للاحتفال برأس السنة الميلادية الجديدة كدأبهم  في كل الاعوام ترتفع الاصوات النشاز وبدلا من الحديث عن التعايش واحترام متبعي الديانة المسيحية وقبول الاخر يبدأون بمهاجمة المناسبة وجرح مشاعر المواطنين المسيحيين بعدد من المصطلحات والكلمات الجارحة التي هي قبل كل شيء مضادة لروح ومضمون الدين الاسلامي".

وقالت إن "آخر الاصوات النشاز هو ما صدر عمن يسمى مفتي الدولة العراقية مهدي الصميدعي الذي تحدث بما يشبه الفتوى بما يعادي التعبير عن السرور في مناسبة ميلاد السيد المسيح والاحتفال برأس السنة الميلادية"، مؤكدًا أنّ "كلامه يعادي في الوقت نفسه اسس ومبادئ العقل والتسامح الدين".
 
لا تمثل التعايش المشترك بين العراقيين

كما اعتبر الوقف السني فتوى الصميدعي اساءة للمسيحيين.. وحذر قائلا إن "مثل هذه التصريحات الهوجاء غير الموزونة ولا المقفاة ولا المنضبطة تعيدنا إلى خطاب الكراهية والتحريض والفتنة ورفض الآخر ولا تمثل التعايش المشترك بين العراقيين بجميع شرائعهم قومياتهم وأطيافهم وطوائفهم ومذاهبهم  عربهم وكردهم وتركمانهم، شعب واحد تقاسم السرّاء والضرّاء منذ أن تشكلت هوية العراقيّ من الدم المنساب من ألوان الطيف كلها، يوم شقّت الأرض في العراق نخلة، فصارت حزمة الطيف أمتن من حزم العصيّ".

وأشار قائلا "لسنا مستغربين من هذه التصريحات التي تصدر عن هؤلاء الأشخاص فمثلما هم يُحرّمون علينا الاحتفال بمولد فخر الكائنات وسيّدها نبيّنا الأكرم محمد بن عبد الله نجدهم اليوم يُحرّمون الاحتفال بعيد السيد المسيح عليه السلام، وتاريخياً لا ننسى قصة عنقود العنب الذي قدمه عدّاس النصراني إلى نبيّنا محمد حين خروجه من مكة إلى الطائف يلتمس النصرة من ثقيف، فكان ذلك العنقود مثالاً للمحبة والتسامح والتعايش المشترك على طوال الحقب والعصور".

ومن جانبه فقد اجاز المجمع الفقهي الاسلامي لأهل السنة والجماعة تهنئة غير المسلمين بأعياد رأس السنة الميلادية.

مطالبة الصميدعي بالاعتذار

أما رئيسة كتلة المجلس الشعبي الكداني السرياني الاشوري في البرلمان العراقي ريحان ايوب فقد طالبت  الصميدعي اليوم بتقديم اعتذار رسمي واتخاذ جميع الاجراءات القانونية والدستورية بحقه بموجب القانون. 

واستنكرت ايوب بشدة في بيان الاحد موقف الصميدعي من الاحتفال برأس السنة الميلادية واعياد ميلاد  المسيح واصفة فتواه بانها "خطاب متشنج وعنصري لا يتوالم مع روح الدستور والمواثيق الدولية وينافي مع كل ما يقال في العراق من التعايش السلمي وتقبل الاخر ولا يخدم المجتمع العراقي المتنوع قوميا و دينياً". وقالت "لو لا مثل هذه الخطابات وهذا النهج لما رأى الشعب العراقي كل هذه الويلات والمأسي سوى على يد تنظيم داعش واخواتها". 

وأوضحت قائلة "نحن كنواب الشعب سيكون لنا موقف حاسم مع هذه الخطابات التي لا تخدم السلم الاهلي في البلد وعليه لابد من تقديم اعتذار رسمي من الشخص المسؤول واتخاذ جميع الاجراءات القانونية والدستورية بحق المفتي مهدي الصميدعي بموجب القوانين العراقية التي تنبذ روح الكراهية بين مكونات الشعب العراقي".

واحتفل العراق الرسمي والشعبي الثلاثاء الماضي بميلاد السيد المسيح واقيم قداس بكنيسة مار يوسف في بغداد بمشاركة الرئيس العراقي برهم صالح ورئيس وزراء الفاتيكان بترو بارولين و بطريرك الكلدان في العراق والعالم لويس روفائيل الأول ساكو.

والمسيحية هي من اقدم الاديان في العراق والثانية بعد الاسلام من حيث معتنقيها، لكنّ أعداد المسيحيين تناقصت بعد التغيير في العراق عام 2003 إثر استهدافهم من قبل جماعات اسلامية مسلحة متطرفة.. وتناقص عددهم من حوالي المليون ونصف المليون نسمة آنذاك إلى حوالي 400 الف حاليا.

وبعد عام 2003، تعرضت حوالي 60 كنيسة للتفجير أو الهدم، فيما أغلقت 12 كنيسة أبوابها في العاصمة بغداد إثر تزايد ظاهرة هجرة المسيحيين.