دنيا عيسى - النجاح الإخباري - شاهدت أمس الفيديو المؤثر الذي خرج به والد الطفل أمير زيدان منتقدا رفض نقابة الأطباء لقانون الحماية الطبية، أو ما يعرف في الشارع بقانون "الأخطاء الطبية".

لم أستطع تحديد إذا ما كانت الرعشة التي صاحبت والد أمير طوال الفيديو هي خلل فني في التصوير، أو هي رعشة مصاحبة للتوتر والعصبية التي بدت بوضوح على والد الطفل، لكن الحقيقة أن قلبي كان يرتجف مع كل رعشة مرت في المقطع المصور.

لقد لامس والد أمير قلبي بكلماته، التي أعيها وأتفهمها كأم وإنسانة، هذه الكلمات التي لا بد أن تلامس قلب كل صاحب ضمير، وتصل إلى عقل كل حي وحر وحريص على هذا الوطن.

إن قانون الحماية الطبية هو الأمل الذي انتظرناه طويلا منذ سنوات ليضع حدا لحالة الخوف والقلق والشك التي تعترينا عند اصطحاب أطفالنا إلى المستشفيات الحكومية والخاصة وعيادات الاطباء، هذه الحالة التي تدفعنا كأمهات وآباء إلى اللجوء لمواقع الانترنت وصفحات الفيسبوك فور عودتنا إلى منازلنا للتأكد من صحة الدواء الموصوف لأطفالنا، أو سلامة الإجراء الطبي.

هذه الحالة ذاتها التي تدفع الكثير من النساء في الوطن إلى خوض رحلة القلق والشك لاختيار طبيب ولادة مناسب، ومستشفى ولادة ذي سمعة طيبة خوفًا من الوقوع في المحظور، وهو ما يدفع بعضهن إلى تحمّل أعباء مالية تفوق مقدرتهن من أجل اختيار مستشفى خاص من أجل الشعور بالاطمئنان، لكن هذا مع الأسف، وبكثير من الألم لا يحمي بعضهن في كثير من الأحيان فتحدث الكارثة في المستشفى الخاص ، ليمسي الأمر "موت وخراب ديار".

أكتب عن هذه الحالات وأنا كامرأة وأم جزء من هذا الألم، عايشته وأعيه وأتفهمه، وأذكر كيف أنّي قبيل ولادة طفلي الأخير عايشت ثلاث حالات لأخطاء طبية أودت بحياة أمهات وأطفال في حالات ومواقف مختلفة لسيدتين توفيتا خلال الولادة وطفل توفي خلال عملية "طهور" بسيطة و هذه الحالات مجتمعة وقعت خلال مدة لا تزيد عن الشهرين في ثلاث مستشفيات ومراكز صحية مختلفة، وهو ما تسبَّب لي بحالة من الفزع والقلق، وحالة المواطنة نازك اليازجي التي توفيت في مستشفى خاص قبل عدَّة أشهر جراء خطأ طبي خلال عملية الولادة ليست بعيدة، وقبلها المواطنة تهاني عابودي في طولكرم.

إنَّ هذا السجل من المرار والألم لا يلغي حقيقة أنَّ لدينا كنزًا من الكفاءات الطبية المرموقة التي عايشت وتعاملت مع أصعب الحالات وأكثرها تعقيدًا خلال الحروب والاجتياحات في غزة والضفة الغربية، وهي كفاءات وخبرات مشهود لها في كلّ مكان، ولا يمكن إنكار أنَّه لا يخلو بيت فلسطيني من أحد العاملين في الحقل الطبي.

لكن ذلك لا يعفينا من مسؤوليتنا الإنسانية والتاريخية أمام دموع الأمهات وحسرة الآباء، والتي لمسناها في صوت والد أمير، وغيره من عشرات الثكالى ضحايا الاستهتار والإهمال والتهاون في حياة الناس.

إنَّ ما تقوم به نقابة الأطباء من اعتراض على القانون يمكن تفهّمه في إطار دورها الطبيعي كنقابة تسعى للحفاظ على مصالح الأطباء ورعاية شؤونهم تحت ضغوط الانتخابات والمنافسات النقابية، رغم أنَّ الأرقام التي قدَّمتها نقابة الأطباء حول تلقيها (26) شكوى بأخطاء طبية خلال العام (2018)، تمَّ البت في (16) منها على أنَّها ليست أخطاء طبية، وبقيت (10) تنتظر لجان التحقيق، هي في حقيقة الأمر أرقام تدعو للريبة والشك في طريقة تعامل النقابة مع هذه الشكاوى بنفي (16) خطأ طبي والمماطلة في بقية الشكاوى، أيّ أنَّ النقابة لم تقرّ بأي خطأ طبي خلال العام، وهنا من حقِّنا أن نضع علامات استفهام كبيرة.

إنَّ حجم احتياجنا لهذا القانون،يحتم علينا مساندة الحكومة التي تخوض معارك ليست معاركها في وضع القوانين في ظلِّ غياب المجلس التشريعي، وإنَّ ما تقوم به الدكتورة خيرية رصاص مستشارة رئيس الوزراء هو حالة فريدة وغير مسبوقة في العمل الحكومي، وسيذكر الوطن في يوم من الأيام أنَّ هذا القانون كان الخطوة الأولى في طريق إرساء وترسيخ حالة من الثقة بين المريض والطبيب، وفتح صفحة جديدة عنوانها الشفافية والثقة والطمأنينة.

إنَّ حماية مستقبل الطفل أمير زيدان وأقرانه هي حماية للوطن ومستقبله وأحلام صغاره، وإنَّ هذه المعركة التي تخوضها الحكومة من أجل حماية المريض والطبيب على حدِّ سواء، تستحق كلَّ الدعم والمساندة من الرأي العام، وفي يوم من الأيام سيُسَجَّل أنَّ هذا القانون -في حال جرى تطبيقه بلا مماطلة أو تهاون- سيشكّل لبنة كبيرة في بناء السلم الأهلي والمجتمعي، وتوفير العدالة والحماية للمريض والطبيب، فحين يدرك الطبيب أنَّ هناك من يتابع حالات الإهمال الطبي ويبحث في سلامة الإجراءات، لن يتهاون في أداء عمله تحت أيَّة مبررات، وحين يتأكَّد المريض وذويه أنَّ الطبيب المخطئ سيلاقي محاسبة عادلة لن  يلجأ إلى تكسير المستشفيات، ولن يجرؤ على تدمير المقدرات الوطنية تحت أي ظرف.

وفي ختام القول لا يفوتنا أنَّ تطبيق هذا القانون في قطاع غزَّة أسوة بالضفة الغربية هو واجب وطني وأخلاقي، ولا مغفرة ولا غفران لمن يعرقله أو يتهاون فيه، مهما كانت الأسباب والذرائع.