حسني عايش - النجاح الإخباري - لم يكن للشعب الفلسطيني تاريخياً وعملياً، أي علاقة بالمسألة اليهودية التي نشأت في أوروبا، في العصر الحديث، إثر الاضطهاد الأوروبي المتواصل والمذابح المرعبة لليهود بحجة صلب المسيح، ولاتهامهم بالفساد، أو نتيجة للعنصرية أو اللاسامية المتفشية آنذاك.
وهكذا نشأت المسألة اليهودية، وبخاصة بعد ظهور زعماء ومفكرين يهود استغلوا ذلك. صاروا يطالبون بحل. وكان أن وجده هيرتسل (1897) بإقامة دولة يهودية في فلسطين حيث أكذوبة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وكان وعد بلفور والانتداب البريطاني على فلسطين ترجمة له.
أما النازية فقد كان لديها حل آخر يقضي بتصفية اليهود نهائياً -بشراً وفكراً وثقافة- وقد صنعت المحرقة (الهلوكوست) لتنفيذه.
بعد هزيمة النازية واعتقال قادتها المفكرين والمنفذين ومحاكمتهم في نوريمبرغ بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية -المصطلح أو المفهوم الذي استخدم لأول مرة في التاريخ- سارع علماء النفس في أميركا وأوروبا لدراستهم. وقد تبين لهم أنهم أذكياء فوق العادة، وأنهم تعلموا تعلمياً عالياً، ولكنهم كانوا يعانون من ثلاث نزعات أو اضطرابات وهي:
"1. انحطاط في المعايير الأخلاقية نحو الآخر وهم هنا اليهود والنّور والسلاف...، وبقية العالم مقابل العرق الآري فألمانيا فوق الجميع، 2. ونزعة قومية متطرفة تبرر القيام بكل شيء من أجل ألمانيا، 3. وطموح هائل أو إعجاب هائل بالذات". 
لقد حوّل اليهود الصهاينة المحرقة (الهولوكست) إلى أعظم استثمار يهودي سياسي في التاريخ لإقامة الدولة اليهودية في فلسطين، وكأن ما قامت به النازية ضدهم كان لصالحهم وبالتنسيق معهم.
أسوق هذه المقدمة لإنعاش ذاكرة القارئ ليقارن بين إسرائيل الصهيونازية وألمانيا النازية، وليتبين أن نتنياهو وأفيغدور ليبرلمان وشلتهما لا يختلفون عن هتلر (جده من جهة أبيه يهودي) وهملر وبقية زعماء النازية في التكوين والعقلية المرضية والسياسية. إن ما تقوم به إسرائيل اليوم بقيادة (نتنياهو) ومن سبقه (ومن سيحل محله) ضد الشعب الفلسطيني لا يختلف عند المراقب المدقق عما قامت به النازية ضد اليهود، وأن نتنياهو وترامب بصفقة القرن لا يختلفان عن هتلر أو هملر أو أيخمان... في أن الحل النهائي الإسرائيلي للمسألة الفلسطينية لا يختلف عن الحل النهائي للمسألة اليهودية على يد النازية، وهو التصفية التامة (النهائية) البشرية والجغرافية والثقافية للشعب الفلسطيني في وطنه.
إن نتنياهو وكل واحد من زعماء إسرائيل الصيهونازية مصاب بالاضطرابات العقلية نفسها التي كان قادة النازية مصابين بها، بل إنهم يتفوقون عليهم بابتكار وسائل وأدوات وتقنينات تصفية وآخرها قانون القومية الأبارثيدي -لم تخطر على بال النازيين- في الوحشية والعذاب والسادية والمحارق الدورية ضد الشعب الفلسطيني.
لقد تبين لعلماء النفس الذين درسوا قادة النازية في السجن أنهم يجمعون بين الشر المقصود والشر الوظيفي عندما يتحدثون في المنابر الدولية عن حقوق الإنسان والديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، ويمارسون كل هذا الاضطهاد اليومي في الوقت نفسه للشعب الفلسطيني من الجنسين والأعمار كافة.
لقد كان هتلر يرتعب بينه وبين نفسه من أفعاله ليس لأنه مخطئ، وإنما لأنه لا أحد قبله فعل مثلها. يبدو أن نتنياهو وكل واحد منهم وصل إلى هذه الحالة لأنه لا يشبع من أكل لحم الشعب الفلسطيني ولا يرتوي من شرب دمه نتيجة اندماجه التام مع الجريمة اليومية الوحشية السادية المادية والمعنوية.
لقد انتهت النازية في بضع سنين وتحرر اليهود والعالم منها، لكن الوحشية الصهيونازية ما تزال مستمرة منذ وعد بلفور 1917 إلى اليوم. ولأن نتنياهو وعصابته ومعظم اليهود في إسرائيل الصهيونازية مندمجون في الحل النهائي فإنهم لا يشعرون بالفظائع اليومية التي يرتكبونها ضد الشعب الفلسطيني. إنها أمر عادي أو روتيني عندهم، ففي نهاية اليوم يلتقون ويتبادلون الابتسامات والضحك "والنكات" والأنخاب في صحة يهوى وصهيون وإسرائيل. نسوا أو تناسوا أن المسألة اليهودية نشأت في أوروبا وكان يجب أن تحل هناك. لو تم ذلك لكنا أشد المؤيدين لهم. لكن أن تنشأ المشكلة هناك وأن تحل على حساب الشعب الفلسطيني ويغزو اليهود وطننا ويغتصبونه ويطردوننا منه فجريمة لا تغتفر وأمر لا يقبله عقل سوي ومنصف. ومع هذا يعاملون الشعب الفلسطيني وكأنه هو الذي خلق المشكلة اليهودية والهولوكست ويحاول (اغتصاب) فلسطين منهم.
وللأسف وسوء الخلف يعيش العالم اليوم في العصر الإسرائيلي، فكلمة نتنياهو هي العليا فيه، والرئيس الأميركي ليس سوى سفير آخر أو ممثل شخصي لنتنياهو في واشنطن.
لقد سقطت النازية أخيراً وحوكم أربابها، ولن ينجو زعماء الصهيونازية الإسرائيلية الأموات والأحياء من هذا المصير ولو بعد حين، "أفلا يعقلون"!!!

عن الغد الأردنية