: الدكتور أحمد جميل عزم - النجاح الإخباري - كان دينيس روس، وهو ربما أكثر المسؤولين الأميركيين الذين أدوا أدواراً في متابعة ملف تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يبدو قمة التطرف والانحياز الأميركي الصهيوني لصالح إسرائيل، وروس هو الذي عمل في قمة كامب ديفيد (2000)، على توجيه اللوم لياسر عرفات، على الفشل في التوصل لاتفاقيات تمهيداً للتخلص منه.

والآن يجد روس من يتفوق عليه في إظهار الانحياز للطرف الإسرائيلي، وتحديداً جاريد كوشنير، صهر الرئيس دونالد ترامب، ومبعوثه لعملية السلام، وهو يُخبِر من واقع خبرته كوشنير، أنّ الدول العربية (وليس القيادة الفلسطينية فقط) لن تقبل "خطته".

قدّم كوشنير في صحيفة «القدس» ، تصورات لعملية السلام. وهو لم يُخفِ أنّ تشخيص القادة العرب لعملية السلام، يتضمن "دولة فلسطينية"، وعاصمة قال أنّهم يريدونها "في" القدس الشرقية، (ولم يقل "القدس الشرقية")، ولكن رغم هذا هرب من الحديث عن هذه النقاط وركز على المشاريع الاقتصادية التي تتعلق بالشعب مباشرة، من دون المرور بكيانهم الوطني.

من غير الواضح في سياق المقابلة، كيف جاءت فكرتها، ومن بادر إليها، ولكن الجانب الأميركي، وتحديداً الثلاثي كوشنير، ومبعوث المفاوضات الدولية، جيسون غرينبلات، والسفير الأميركي-الإسرائيلي لدى الإسرائيليين، ديفيد فريدمان، يسعون دائماً للالتفاف على القيادة الفلسطينية، بالحديث إلى أطراف أخرى. وهذه الأطراف بدأت من الدول العربية، ومحاولة الحديث مع رجال أعمال وفعاليات اقتصادية فلسطينية، وربما يكون الآن الذهاب للحديث في الصحافة الفلسطينية نوعا من مخاطبة الفلسطينيين مباشرة.

يمكن تلخيص مقابلة كوشنير، أنه لا يوجد لديه تصور سياسي للصراع، بل تصور يرى فيه الشعب الفلسطيني (كأناس وليس ككيان) يرتبطون بالاقتصاد الإسرائيلي، ويقول "أعتقد أن الشعب الفلسطيني أقل اكتراثا في نقاط الحوار بين السياسيين وأكثر اهتماما ليرى كيف ستوفر هذه الصفقة له وللأجيال المستقبلية فرصا جديدة، والمزيد من الوظائف ذات الأجور الأفضل وآفاق الوصول إلى حياة أفضل". بكلمات أخرى، يريد أن يقول إن الفلسطينيين مهتمون أكثر بتفاصيل المعيشة اليومية، وليس بالحقوق الوطنية.

حتى دينيس روس، فهم من حديث كوشنير أنه يريد استبدال الاقتصاد بالحقوق الوطنية الفلسطينية، فقال لصحيفة نيويورك تايمز، إنّ تلويح كوشنير بقفزة اقتصادية للفلسطينيين، قد يكون مُغرياً، ولكنه نوه إلى أنّ القادة في البلدان العربية سيطلبون تسوية سياسية "بين إسرائيل والفلسطينيين"، حتى يعلنوا تأييدهم لخطة أميركية.

إذن، حتى روس يفهم أن محاولة كوشنير الهروب من تسوية سياسية لصالح الاقتصاد، خطة فاشلة وقديمة. وهي فكرة سبق أن روجها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تحت مسمى "السلام الاقتصادي"، وروجها كذلك جون كيري وزير الخارجية في المرحلة الثانية من إدارة باراك أوباما، الذي تحدث في منتدى دفواس، على البحر الميت، عن أفكار لاستثمارات قيمتها 4 مليارات دولارات، وتبخرت هذه الأفكار سريعاً واختفت. ويبدو أن كوشنير ذاته، وصل للنتيجة التي يقولها روس، بشأن الرفض العربي لخطط لا تتضمن تسوية سياسية، يقبلها الفلسطينيون. ويبدو من حديثه أنّه يراهن أنّ الشعب الفلسطيني، سيقبل ويُقبل على هذه الخطط، بغض النظر عن موقف القيادة الفلسطينية.

ما لا يعرفه، أو يتجاهله كوشنير، أولا، أنّ حالة الاحتقان والغضب الشعبيين، ضد الاحتلال تفوق كثيراً المستوى السياسي، الذي يفكر (كما أي قيادة سياسية واقعية) بحسابات دبلوماسية وسياسية، وأنّ الشعب الفلسطيني، تاريخياً، يسبق قيادته في مواجهة الاحتلال. وثانيا، أنّ التاريخ أوضح أنّه حتى عندما كان الاقتصاد والأوضاع المعيشية في حالة جيدة كما في مطلع السبعينيات وحتى انتفاضة العام 1987، سقطت مشاريع تقزيم القضية الفلسطينية إلى قضايا معيشية، بدءا من إحلال بلديات عربية كقيادة متعاونة، إلى روابط القرى، إلى سوى ذلك، واتسعت المطالب بالحقوق الوطنية وتقرير المصير. وثالثا، أنّ مسألة التنمية الاقتصادية تحت الاستعمار والاحتلال مستحيلة، لأنّ المستعمر يريد عاملا تابعا غير مستقل، وهذه حالة تولّد المزيد من الاحتقان والغضب أكثر مما توجِد ركوناً واستكانة.

يتضح، من كل ما يقال، أنه لا يوجد حقاً ما يمكن تسميته "صفقة القرن"، وكل ما هنالك إعادة إنتاج مشاريع السلام الاقتصادي التي فشلت دائماً، ومع هذا الإهمال للحقوق السياسية الفلسطينية الوطنية، فإنّ الظرف الموضوعي ينضج لموجة جديدة من المقاومة.

[email protected] - جامعة بيرزيت

... عن «الغد» الاردنية