هبة أبو غضيب - النجاح الإخباري - غدت روسيا فاعلا مركزيا في العديد من الملفات المشتعلة على ساحة إقليم الشرق الأوسط، ويحظى الوجود الروسي في منطقة الشرق الأوسط بأهمية قصوى من منظور الرغبة أيضا في الحفاظ على الهيمنة على آسيا الوسطى، بما يستوجبه ذلك من هيكلة سياستها تجاه الشرق الأوسط. فقد وسعت استراتيجيتها السياسية وفق أهدافها الاقتصادية ومصالحها الاستراتيجية، وبذلك تراجعت الأهداف الآيديولوجية التي استندت إليها سياستها في عهد الاتحاد السوفياتي.
وفي ظل تخبط الإدارة الأمريكية بقرارها الأخير حول اعترافها بالقدس كعاصمة لإسرائيل، توقع البعض أن تكون فرصة متاحة بشكل أكبر لروسيا، في لعب دور الوسيط الدولي خاصة وأنها تتمتع بعلاقات جيدة مع أطراف الصراع.

ورأى محللون أن   السياسات الروسية لا تتحرك في فراغ  وإنما تستغل التطورات التي تفتح نوافذ للخطى التي تحقق مصالحها ورؤاها.
فهل سنشهد عودة لاعب قديم بمشروع جديد، في ظل التراجع الأمريكي، وهل ستتركها واشنطن تلعب بالمنطقة كما تشاء؟ وما هي محطتها التالية بعد سوريا، وما هو دورها تجاه القضية الفلسطينية بعد التطور الأخير؟، وهل سترتكز على بعدها الإقتصادي في الشرق الأوسط؟.

أكد استاذ العلاقات الدولية في جامعة باريس د. خطار أبو دياب أن الوجود في الشرق الأوسط كان للإتحاد السوفيتي السابق، ولكن بشكل غير فعال، دون تعاون مع بعض الأنظمة العربية.
وأشار لـ"النجاح الإخباري" أن روسيا بعهد رئيسها الحالي فلاديمير بوتين، كان مفتاح العودة للشرق الأوسط من الباب الخاطئ، من خلال تدخلها في النظام السوري.
وأضاف أن من بين الأحلام التاريخية لعودة النفوذ الروسي، إيجاد موطئ قدم على البحر المتوسط، وتمركز الدول العظمى حول مصالح معينة، واصفا التمركز الروسي في سوريا، كالحماية الأمريكية لإسرائيل.
ولفت إلى أن البوابة السورية أتاحت المجال أمام إعادة نسج العلاقات مع مصر، بالرغم من طرد الخبراء السوفيتيين من مصر عام 1972، وكل تفاعلات كامب ديفيد وما بعدها، إضافة إلى اهتمام روسيا بليبيا، وتبادل النفط بينها وبين السعودية.

وأضاف أننا اليوم أمام لعبة روسية، حيث تتمركز بشكل قوي في الشرق الأوسط، مستفيدة من تخاذل إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وتراجع سياسة ترامب، خاصة بعد تحالفها مع ايران على الارض السورية، حيث كانت ايران القوة البرية وروسيا القوة الجوية، قائلا "الأهم أنها عملت على ترتيب استراتيجي مع اسرائيل فيما يتعلق بمصالحها الأمنية في الجنوب السوري".
ورجح خطار أن المحطة التالية لروسيا بعد سوريا، الإنطلاق نحو تحقيق مصالح لتمكين سلاحها، مع مصر وإيران والسعودية، وزرع نفوذ في ليبيا كالتجربة السورية، لافتا إلى أن خطاب ترشيخ بوتين للرئاسة عام 2013، لم يأتي على ذكر مسألة القدس وأهميتها.
وحول ترك واشنطن منطقة الشرق الأوسط لموسكو حتى تلعب كما تشاء، أضاف خطار أن الأولويات تغيرت واصبح تركيز الولايات المتحدة على آسيا والمحيط الهادئ، فلم تعد الهيمنة الأمريكية محكمة نظرا لاختلاف المصالح، عدا عن حماية إسرائيل التي لها علاقة بالداخل الأمريكي. مضيفا أنه طالما المصالح الروسية لا تتعارض مع إسرائيل، فلن تخوض أمريكا صراعا مع روسيا. 
أما عن ارتكاز روسيا على البعد الإقتصادي كمحرك حاكم في المنطقة، خاصة وأن تبادلها التجاري مع مصر وصل إلى 4 مليارات دولار، وتجاوز  52.96 مليار ريال مع السعودية،ترتكز المقاربة الروسية حيال الشرق الأوسط على البعد الاقتصادي كمحرك حاكم في صوغ المقاربات الروسية، وقد كان هذا البعد حاضرا خلال زيارة الرئيس بوتين الأخيرة إلى كل من مصر وتركيا، فخلال زيارته إلى القاهرة طغى الجانب الاقتصادي، إذ وقَّع البلدان اتفاقا من أجل إنشاء روسيا محطة للطاقة النووية مشابهة لتلك المزمع إنشاؤها في أكويو المطلة على ساحل البحر المتوسط في تركيا. وستضم تلك المحطة أربع وحدات، وستتكلف مبلغا مماثلا تقريبا يصل إلى 21 مليار دولار أميركي. ومن المقرر أن يبدأ إنشاء المحطة في 2028-2029.
وأشار خطار إلى ان روسيا لديها امكانيات في إنتاج الغاز والنفط وبيع السلاح، مشيرا إلى انوالدولة التي يمكنها تتمركز اقتصاديا هي الصين، فهي دولة المستقبل المنافسة لأمريكا في منطقة الشرق الاوسط. 

وفيما يتعلق بدور روسيا في القضية الفلسطينية بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، أوضح خطار أن بوتين عندما جاء لفلسطين في 2012 ووقف أمام حائط البراق، ولم يكلف نفسه في الذهاب للسلطة الفلسطينية، مؤكدا أن هذه النقطة بحد ذاتها إشارة سلبية.
وأكد أن روسيا لن تكون أقل انحيازا من الولايات المتحدة، لافتا إلى مدى تأثير روسيا داخل المؤسسة الإسرائيلية، إضافة إلى أن إسرائيل تعامل داخل الإتحاد الأوروبي كدولة أوروبية، قائلا "الإعتماد الأساسي على الشعب الفلسطيني في محاولة فهم متغيرات السياسات الإقليمية، والدولية لمواجهة الوضع الذي فرض عليها"، وتابع أن الفرصة الأكبر لفرنسا، إذا نجحت في توليفة مع روسيا وقرار فرنسي جدي.
المحلل في الشؤون الأوروبية والدولية د. حسام شاكر أكد أن لروسيا دور صاعد بقوة، منذ 2012، في العالم العربي، مشيرا إلى أنها استفادت من عهد أوباما، وحاولت ملئ الفراغات وفرض حقائق على الأرض من خلال مبادرات كسوريا.
وأوضح لـ"النجاح الإخباري" ان التحدي أمام روسيا أنها تستطيع التوسع، إلا أن ذلك يترافق مع تحديات ميدانية متعددة، وتحمل أعباء لا تستطيع تحملها كملف إعادة إعمار سوريا، إذا بقيت تحت المظلة الروسية فستكون مكلفة لروسيا.
وأضاف أن الإقتصاد الروسي في المنطقة قائم على صادرات نوعية معينة كالسلاح، مشيرا إلى أن هذه النوع من الصعب أن تمثل رافعا حقيقيا للإقتصاد الروسي بالمقارنة مع الكلفة التي يمكن أن تترتب على عقوبات غربية، وتباطؤ التبادل التجاري مع الإتحاد الأوروبي، إضافة إلى صعوبة إعداد صفقات تسلح مع مصر والسعودية كبديلا جوهريا.
ولفت إلى ان روسيا تواجه متاعب مزمنة اقتصاديا، ومخاطر مرتبطة بأسعار الطاقة في السوق العالمية، وسعر صرف الروبل يعبر عن ذلك في السنوات الأخيرة.
أما عن استثمار روسيا استراتيجيا، واقتصاديا في الشرق الأوسط، أكد أن هذه الخطوة تحتاج لمقاربة أوسع نطاقا، ولكن في المقابل هذا يتطلب تحييد المخاطر القادمة من أمريكا كالتشديد في العقوبات وقيود اقتصادية معينة.
وأكد أن روسيا لديها فرصة لتتقدم في ظل التراجع الأمريكي، ولكن هذا سيحملها أعباء اقتصادية، ومسؤوليات في المجال الإستراتيجي.
واستدرك شاكر أن واشنطن تراقب روسيا، وتدرك قوتها، لافتا إلى أنها حتى اللحظة لا تستطيع أن تقوم بدور الإتحاد السوفيتي السابق، ولكنها تستطيع استعادة بعض المواقع المهمة التي خسرتها في العقدين الماضيين، قائلا "تحاول ايجاد موطئ قدم في ليبيا، وذلك محكوم بمعادلة معقدة غير مستقرة ".
أما عن دورها في القضية الفلسطينية، أكد أن روسيا لم تقرر بعد استثمار الأوراق التي تمتلكها لصالح القضية الفلسطينية، وتخوض هذا الملف بقوة، خاصة وأن لديها علاقات مع أطراف الصراع، وتحرص روسيا عليها ما يمنحها فرصة الوسيط الدولي.

ويذكر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة للاحتلال في (6) ديسمبر الجاري، وطالب وزارة الخارجية الأمريكية باتّخاذ إجراءات لنقل سفارة واشنطن إليها، في خطوة أثارت ردود فعل رافضة للقرار على المستويين الرسمي والشعبي، وأدَّت إلى اندلاع الاحتجاجات في الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.