رائد جبر - النجاح الإخباري - قرار دونالد ترامب حول القدس، منح موسكو فرصة ذهبية جديدة للإفادة من الأخطاء الأميركية في المنطقة. لكنها ليست على عجلة من أمرها. بل تراقب بدقة ردود الفعل الإقليمية والدولية، وتعمل على ترتيب أولوياتها.

اللهجة الروسية تصاعدت تدريجاً، بالتوازي مع اتساع درجة الاستياء حيال القرار الأميركي خصوصاً بعد استخدام واشنطن حق النقض لتعطيل مشروع القرار العربي في مجلس الأمن.

بدأ رد الفعل الروسي منتقداً التصرّف الآحادي لواشنطن، مع الحرص على التذكير بأن موسكو اعترفت منذ نيسان (إبريل) الماضي بالشطر الغربي من القدس عاصمة لإسرائيل، والشطر الشرقي عاصمة للدولة الفلسطينية التي يجب أن تقوم على أساس القرارات الدولية وبنتيجة مفاوضات مباشرة تسفر عن «توافقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين». ثم انتقل إلى التحذير من تداعيات القرار الخطرة على الاستقرار في المنطقة.

الموقف لا يختلف كثيراً في جوهره عن المطالب العربية المعلنة. لكن التمهل الروسي بدا واضحاً في تجنب إطلاق مبادرات رداً على القرار الأميركي، على رغم دعوات أوساط برلمانية وديبلوماسية اعتبرت الفرصة مواتية لموسكو لتعزيز نفوذها في المنطقة، والإفادة من مدخل مهم يوسع الحضور الروسي إقليمياً بدلاً من اعتماده شبه الكامل على نتائج التدخل العسكري المباشر في سورية.

من الطبيعي أن قرار ترامب حفّز كثيرين في روسيا لإحياء الفكرة التي دافع عنها رئيس الوزراء السابق يفغيني بريماكوف خلال عقدين، بأن المسألة الفلسطينية هي البوابة الأهم إلى المنطقة. انعكس ذلك في حرص موسكو الدائم على تأكيد ثبات موقفها حيال ضرورة التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة تفضي إلى قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.

لكن الحسابات الروسية الحالية تأخذ في الاعتبار التوازنات الدقيقة التي نجحت موسكو في إدارتها حتى الآن على المستوى الإقليمي لتلبية أغراض تدخلها في سورية. بما في ذلك علاقتها الخاصة مع إسرائيل التي تطوّرت كثيراً خلال العامين الماضيين.

وفيما يتحدث الجانب الفلسطيني عن مسعى إلى إنهاء هيمنة واشنطن على رعاية عملية السلام، عبر تفعيل دور أنشط لروسيا والصين والاتحاد الأوروبي. ويؤكد ضرورة تبني «مقاربة جديدة» للعملية السياسية بعد القرار الأميركي، لا تبدو موسكو متحمسة لبحث آليات جديدة. وهي أبلغت الجانب الفلسطيني بأنها تدعم استئناف الحوار المباشر بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وفقاً للآليات المتفق عليها وعلى أساس القرارات الدولية، باعتبار أن «روسيا والولايات المتحدة لا تستطيعان تسوية هذا النزاع ولا بديل من مفاوضات مباشرة».

أكثر من ذلك، فإن الكرملين حذّر من خطوات جوابية «قد تؤدي إلى انشقاق جديد في المجتمع الدولي وتصعيد حدة التوتر». بهذا الموقف تتقلص آفاق رهان الجانب الفلسطيني على إحياء المبادرة الروسية التي طرحت ولم تنفذ منذ عام 2005 في شأن عقد مؤتمر دولي في موسكو للسلام في الشرق الأوسط. وحتى لو حاولت موسكو إعادة طرح الفكرة، تبدو فرص نجاحها معدومة في ظل المواجهة القائمة مع واشنطن وحليفاتها في الغرب.

البديل الروسي قد يبرز خلال أسابيع عبر توجيه الدعوة مجدداً إلى الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لإجراء جولة حوار مباشر في موسكو. على رغم أن تجربة العام الماضي لم تكن مشجعة، إذ فشلت موسكو في جمع الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لحوار مباشر حول آليات مقبولة من الطرفين لاستئناف المفاوضات.

أجهض نتانياهو المبادرة الروسية العام الماضي. وليس ثمة ما يدعو إلى التفاؤل بأنه سيمنح موسكو إذا أعادت المحاولة ورقة لتعزيز دورها، خصوصاً في ظروف الدعم غير المحدود الذي حصل عليه من واشنطن.

بهذا المعنى فإن تمسك روسيا بالآليات المطروحة حتى الآن لن يكون مجدياً، إلا بحدود توظيف ملف القدس والتسوية في الشرق الأوسط في إطار الحرب السياسية والإعلامية المشتعلة بين موسكو وواشنطن.

والسؤال عن رغبة الكرملين أو قدرته، في الظروف الدولية والإقليمية الراهنة، على إطلاق مبادرات جديدة وخلاّقة يبقى معلقاً.