جويس كرم - النجاح الإخباري - طَرْدُ المستشار الاستراتيجي ستيف بانون هو نقطة تحول أساسية في رئاسة دونالد ترامب على الصعيدين الداخلي والخارجي، تعيد الحكم الى خط أكثر تقيليدية وقد تطوي الى غير رجعة رهان اليمين المتشدد على فرض تحول فعلي في البوصلة الاميركية.

«رئاسة ترامب التي حاربنا لأجلها وربحناها انتهت» هكذا قال بانون بعد ساعات من إقالته لمجلة «ويكلي ستاندرد» فجر الجمعة- السبت. نجح بانون، وهو العقل المدبر لفوز ترامب في الانتخابات، في بناء تحالف مبني على القومية الاقتصادية المعارضة للعولمة، وبالتماهي مع قضايا البيض الأميركيين المستائين من الهجرة غير الشرعية والتحول العرقي في الولايات المتحدة. هذه الذهنية عبرت عنها سياسة داخلية تريد بناء جدار فاصل مع المكسيك والغاء اتفاقات التجارة الحرة، وفِي الخارج بناء تيار معاد للعولمة يتحالف مع وجوه اليمين المتشدد في فرنسا وبريطانيا، مارين لوبان ونايجل فراج.

أجندة بانون جعلت «نيويورك تايمز» تخطّ افتتاحية بعنوان «الرئيس بانون» في ٣٠ كانون الثاني (يناير) أي بعد تسعة أيام من تنصيب ترامب وإعلانه مشروع حظر السفر الذي تم ابطاله قضائياً ومن ثم إصدار صيغة مخففة ومعدلة اقرتها المحكمة العليا بداية الصيف. بعدها اصطدمت طموحات «الرئيس بانون» بواقع السياسة الداخلية الاميركية والتحالفات الموضوعة والرافضة تغييرات من النوع الذي يهدد الاستقرار المالي او يعبث بأركان المؤسسات الاميركية. وفشل المستشار السابق بتمرير قانون للضمان الصحي يلغي قانون باراك اوباما، كما تمت عرقلة جهوده لمعاقبة الصين وتحجيم الاتحاد الاوروبي والتدخل في شؤون الفاتيكان لإضعاف الجناح الاصلاحي في الكنيسة الكاثوليكية.

طموح بانون كان أكبر من البيت الأبيض، اذ أراد نظاماً عالمياً يستنهض اجندته اليمينية الأنكلوسكسونية ويعادي الصين. وبدأت عملية قَص اجنحته في آذار (مارس) الفائت لحظة دخول مستشار الامن القومي هربرت ماكماستر البيت الأبيض. وأول خطوات ماكماستر كانت عزل بانون من مجلس مدراء الامن القومي في نيسان (أبريل) وإبعاده عن الاجتماعات مع الجهات الخارجية. الا ان المنافسة بين خطه الأيديولوجي والمعتدلين استمرت، وأدت الى طرد أربعة مسؤولين في مجلس الامن القومي مقربين منه الشهر الفائت وتعيين الجنرال ماكماستر بديلاً منهم.

اما القشة التي قصمت ظهر البعير فجاءت هذا الصيف بعد تسريبات إعلامية كان مصدرها بانون والمحيطين به وتتعرض لصهر الرئيس جاريد كوشنر وصلاته بروسيا، كما تنال من سمعة ماكماستر. وعلى رغم ذلك، عقّد نفوذ بانون وقوته داخل اليمين مساعي ترامب لطرده، فالرجل الذي أنقذ حملته الانتخابية وأوصله إلى الرئاسة بات جزءاً كبيراً من فشله في وضع استراتيجية فاعلة وغير متطرفة للحكم. ومن هنا كان تعيين الجنرال المتقاعد جون كيلي مديراً لفريق ترامب بداية الشهر، مؤشراً لخروج بانون.

ونقلت «سي أن أن» ان بانون وُضِعَ امام «خيار الاستقالة» منذ أسبوعين ولَم يفعل ذلك، ما يعني ان كيلي طرده يوم الجمعة. وساعدت كيلي في ذلك أحداث تشارلوتسفيل المشحونة عنصرياً والتي شاركت فيها تنظيمات للفوقيين البيض والنازيين الجدد. قيل اعلامياً ان تردد ترامب في ادانة المجموعات بالاسم هو بناء على نصيحة بانون ولعدم إغاظة جزء ولو صغير من القاعدة اليمينية. الا ان السيناريو الأكثر ترجيحاً هو ادراك ترامب أن ايام بانون باتت معدودة وعلى الرئيس مغازلة اليمين قبل طرده لاحتواء ردة الفعل.

خروج بانون يعني فعلياً قطع الرابط الأقوى لليمين الاميركي المتطرف بالبيت الأبيض. انعكاساته الداخلية ستكون بتقوية الخط الوسط في الادارة والذي يمثله الجنرالات ومستشارو ترامب النيويوركيون، بينهم غاري كوهن ودينا باول. أما خارجياً، فقد يعطي فسحة لعلاقة أفضل مع الصين، ويريح الاتحاد الاوروبي مِن دون ان يؤثر في ملفات الشرق الاوسط وحيث العلاقة هي مع ماكماستر وكوشنر وجايمس ماتيس وليس مع المستشار السابق.