طلال عوكل - النجاح الإخباري -  صدق من وصف قرارات الرئيس محمود عباس بأنها الكرت الأصفر الذي يرفعه في وجه القرار الخطير، الذي تتحضر إسرائيل لاتخاذه وتنفيذه خلال ما تبقى من هذا العام. الإسرائيليون يكثرون في هذه الاوقات من التركيز على ما يدعونه حقهم فيما يسمى بيهودا والسامرة. تحذيرات وإشارات عديدة تصدر عن الإسرائيليين في مستويات أمنية وسياسية وصحفية لكن كل هذه الإشارات والتحذيرات لا يمكن أن تجمل قيبح الأغلبية الساحقة في المحتمع والدولة إزاء مخطط ضم ثلاثين في المئة من أرض الضفة الغربية.

إسرائيل مصممة على تنفيذ هذا المخطط التوسعي قبل نهاية هذا العام، زبحيث يأتي التوقيت في خدمة الشريك الأكبر دونالد ترامب، الذي يخوض انتخابات صعبة يحتاج فيها إلى كل صوت تستطيع إسرائيل تجنيده لصالحه. إسرائيل تدرك أنها الفرصة التاريخية لإنجاز هذا الجزء من مشروعها التوسعي، في ظل إدارة أمريكية تقف بالباع والذراع معها، وقبل أن يقع محذور فوز المنافس الديمقراطي جو بايدن الذي يعارض سياسة الإدارة.

في موازاة هذه الفرصة فإن الأوضاع الفلسطينية والعربية والدولية تبدو هي الأخرى مناسبة، إذ لا يقف في طريق قرار الضم أي عرض خطير. تقرأ إسرائيل جيدا ردود الفعل الفلسطينية والعربية وحتى الدولية المحتملة، لكنها على ثقة تامة بأن هذه الخطورة التوسعية ستمر بأقل ثمن ممكن طالما أن الإدارة الإمريكية تقف إلى جنبها بكل قوة. نقف على ردود فعل متصاعدة من عرب و أوروبيين ودول أخرى ربما كان أكثرها جدية ووضوحا الموقف الأردني، ولكن متى كانت إسرائيل تتوقف عن تنفيذ ما يخدم مشروعها التوسعي الاستراتيجي، ومن كان بإمكانه أن يعطل مثل هذا القرار الخطير سوى الولايات المتحدة أو وضع فلسطيني وعربي مختلف؟ لا نقول ذلك من باب التيئيس والإحباط أو التقليل من أهمية السياسات والمواقف التي ترفض هذا المنطق، الذي يضرب بعرض الحائط كل قرارات الشرعية الدولية، وإنما لنذكر فقط بالحاجة الماسة وإن كانت متأخرة لتغيير مسار السياسة الفلسطينية ابتداء.

فإن المعارضة الفلسطينية والعربية والإسلامية، التي ظهرت إثر قرارات ترامب بشأن القدس واللاجئين وصفقة القرن عموما لم تنجح في إرغام إسرائيل على التراجع أو حتى التردد. في هذا المقال لا يجوز الانطلاق من فكرة أن قرار الضمن في حال اتخاذه لا يغير من واقع الحال شيء، طالما أن إسرائيل تمارس سياستها الاحتلالية والتوسعية بقرارات من هذا النوع أو بدونها. إلى جانب ذلك فإن الواقع و الوقائع تشير إلى أن إسرائيل قد دخلت منذ كثير من الوقت في المرحلة الثانية من المشروع الصهيوني الذي يعني الانتقال إلى مرحلة الصراع المفتوحة بعيدا عن أوهام من اعتقد بإمكانية تحقيق السلام، لكن المشكلة تكمن في تأخر السياسات الفلسطينية والعربية عن مواكبة هذه الانتقالة الجذرية. بدون الحديث عن كل مخاطر وأبعاد القرار الإسرائيلي المرتقب، فإن إعلانه وتنفيذه من شأنه أن يؤدي إلى تغيير جذري استراتيجي وخطير على الأوضاع الجيو سياسية في المنطقة. الملك عبدالله ابن الحسين يدرك بعمق مدى خطورة ذلك القرار وقد عبر عن ذلك بتصريحه الذي حذر فيه من أنه سيؤدي إلى صدام كبير. في عمق هذا التصريح الغاضب ثمة إدراك بأن هذا القرار يصب في المرحلة المقبلة نحو تنفيذ مخطط الأردن الوطن البديل للفلسطينيين، والذي يستدعي من إسرائيل تنفيذ سياسة ترانسفير لسكان الضفة الغربية، ولاحقا للفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948.

الأردن كما فلسطين يغلي في مواجهة السياسة الأمريكية الإسرائيلية، فإن الحديث عن انتفاضة محتملة في الضفة الغربية قد ينطوي على إمكانية اندلاع انتفاضة شعبية في الأردن أيضا. إذا كان الخطر داهم على القضية والحقوق الفلسطينية وأيضا على الأردن ومستقبل نظامه السياسي، فإن الفلسطينيين هم الذين عليهم أن يتحملوا مسؤولية الريادة في مواجهة هذه المخططات لتعظيم المقاومة الدولية وبضمن ذلك العربية، ونعتقد أن البداية تكون في إعادة تصنيف معسكر الأعداء الذي يقف على رأسه الولايات المتحدة ثمة الحركة الصهيونية ومنتجها الأساسي إسرائيل.