النجاح الإخباري - وسع جيش الاحتلال من عمليته العسكرية التي أسماها "السور الحديدي" وبدأها في مدينة جنين ومخيمها في 21 من يناير الجاري، لتشمل مدينة طولكرم وضواحيها، ضمن نهجٍ إسرائيليّ بات واضحاً يهدف إلى تغيير جغرافيا المخيمات وتفريغ الأرض من أصحابها.
وأعلنت حكومة الاحتلال أن العملية العسكرية ستمتد لتشمل جميع مناطق الضفة الغربية، وستستمر شهوراً، حسب أعلانه.
وقال وزير جيش الاحتلال يسرائيل كاتس "إن القوات تطبق الدروس التي تعلمتها في غزة، مع استمرار عملية كبيرة قال الجيش إنها تستهدف التصدي لجماعات مسلحة مدعومة من إيران"، وفق زعمه.
أما وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، فاعتبر هذه العملية مقدمة لحملة متواصلة لحماية المستوطنين والمستوطنات.
طولكرم .. حصار ودمار وإجبار على النزوح
وبموازة العملية العسكرية المتواصلة، أجبرت قوات الاحتلال عائلات عدة في مخيم طولكرم ونور شمس، على النزوح من مساكنها، تحت تهديد السلاح، مع تعزيزات عسكرية مستمرة على المدينة، على وقع مواصلة تجريف البنية التحتية وحرق عدة منازل.
وقال محافظ طولكرم اللواء عبد الله كميل في حديث لـ"النجاح": "إنّ الاحتلال في عدوانه المتواصل يستهدف بشكلٍ واضح البنية التحتية ويسعى إلى تدمير ما يمكن تدميره من منازل ومحال تجارية وشوارع معبدة وحتى المحاكم لم تسلم من عمليات التدمير، ودمروا ما قمنا بإعادة إعماره مؤخرًا جراء الاقتحامات المتتالية".
ويضيف كميل: "الهجمة الإسرائيلية هذه المرة متشعبة في كل مكان، حيث تتركز في المدينة وجميع نواحيها، وفي مخيمي نور شمس وطولكرم، وفي العديد من الأرياف والقرى، والطائرات المسيرة تحلق في أجواء سماء طولكرم على مدار الساعة، ومن الواضح أن الاجتياح هذه المرة سيطول، في ظل استدعاء المزيد من القوات الإسرائيلية".
وفي ظل إجبار الاحتلال على نزوح عدد من العائلات من مخيم طولكرم أوضح محافظ طولكرم اللواء عبد الله كميل إلى الإيعاز لجهات الاختصاص لتوفير أماكن للإيواء مثل المساجد، والقاعات، وجرى تأمين كل النازحين، مؤكداً وجود لجنة طوارىء تتابع التفاصيل المتعلقة بهذا الِشأن.
خلال 8 أيام .. 16 شهيداً في جنين
إلى ذلك تواصل قوات الاحتلال عمليتها العسكرية "السور الحديدي" لليوم الثامن على التوالي داخل مخيم جنين، وتستمر في عمليات الهدم وتفجير المنازل داخل المخيم بعد أن أجبرت مئات المواطنين على النزوح من المخيم قسرا بفعل العملية العسكرية، ما أسفر عن استشهاد 16 مواطناً بينهم طفلة، وإصابة 50 آخرين، وشملت العملية فرض حصار على 4 مستشفيات في المدينة وتفتيش كل من يصل إليها.
وبحسب رئيس بلدية جنين محمد جرار، فقد أحرقت قوات الاحتلال ما بين 70 إلى 80 منزلا، ودمرت ما بين 30 إلى 40 منزلا بشكل كلي، إلى جانب مئات المنازل بشكل جزئي خلال عمليتها العسكرية على مدينة جنين ومخيمها.
قطع أوصال الضفة الغربية
التصعيد الإسرائيلي هذا، رافقه حالة غير مسبوقة تشهدها الحواجز الإسرائيلية من تضييق وعقاب جماعي وإغلاقات بين مداخل القرى والمدن الفلسطينية، لقطع أوصال الضفة الغربية، وحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، وصل عدد حواجز الاحتلال العسكرية في محافظات الضفة إلى 898 حاجزًا عسكريًا وبوابة، منها أكثر من 173 بوابة حديدية جرت عملية وضعها بعد السابع من أكتوبر عام 2023، منها 17 بوابة وضعت منذ بداية العام الجاري 2025.
وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة "اوتشا"، "تعوّق القيود المشددّة التي تفرضها القوات الإسرائيلية في شتّى أرجاء الضفة الغربية، والتي تشمل إغلاق الطرق وفترات التأخير طويلة على الحواجز، قدرة الفلسطينيين على الوصول إلى الخدمات الأساسية وإلى أماكن عملهم، مضيفةً أن الوصول إلى الرعاية الصحية في الضفة الغربية تدهو بسبب الأزمة المالية والقيود المفروضة على الوصول، إذ بات 68 % من نقاط الخدمات الصحية لا تملك القدرة الآن على العمل لمدة تزيد عن يومين أو ثلاثة أيام في الأسبوع، ولا تعمل المستشفيات إلا بما نسبته 70 في المائة من قدراتها"
العملية العسكرية في الضفة ..تعويضُ للفشل في غزة
ويرى المختص بالشأن الإسرائيلي د. خالد معالي، بأن الاحتلال يحاول تعويض جزء من فشله الكبير في قطاع غزة بالضفة الغربية لإشعال الأوضاع وتخريبها، كما أن عقلية الاحتلال تقوم فقط على مبدأ القوة دون الاعتراف بالواقع أو التراجع في أيّ مكان.
ويمضي معالي قائلاً لـ"النجاح" "يعتقد نتنياهو أن فشله في غزة يمكن تعويضه جزئيًا في الضفة من خلال إشغال كيان الاحتلال وجمهوره بمعركة داخل الضفة، سواء من خلال القصف أو التخريب أو التدمير، وبالتالي في مخيلة الإسرائيليين، تظل الحرب مستمرة، وهكذا ينسى جزء من الإخفاق الكبير في قطاع غزة، هذا هو تفكير نتنياهو"
ويضيف: "المرحلة القادمة تشير بوضوح إلى أن العدوان سيتواصل، وما بعد الحرب على غزة لاحظنا زيادة كبيرة في العمليات العسكرية في الضفة الغربية، لأن نتنياهو يعتبر الضفة خاصرة ضعيفة يمكنه استهدافها، ويرى فيها ورقة رابحة له أمام كيانه وجمهوره".
ويؤكد معالي، أن الأجواء الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى الدعم الداخلي، تشجع على استمرار الاعتداءات، حيث إن قادة الاحتلال جميعهم يعترفون بالخسارة في غزة، وبالتالي يسعون لتعويض ذلك في الضفة الغربية. كما أننا نشهد زيادة في اعتداءات المستوطنين بشكل غير مسبوق، حيث يتم تحويل القرى والبلدات إلى سجون كبيرة".
فيما ينظر المحلل السياسي عقل صلاح إلى التصعيد العسكري الإسرائيلي في الضفة، على أنه يأتي ضمن خطة مبرمجة وممنهجة للضغط على الفلسطينيين وممارسة انتهاكات بحقهم في الضفة الغربية، حيث إن عيون إسرائيل موجهة دائمًا نحو الضفة الغربية، والأحزاب الإسرائيلية جميعها متفقة على أن الضفة الغربية هي جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل.
ويختتم صلاح حديثه لـ"النجاح"، بالقول: "الرؤية العقائدية والأيديولوجية لدى الإسرائيليين تعتبر الضفة جزءًا من "يهودا والسامرة" كما يطلقون عليها. ولذلك نرى أن الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين يعملون على ممارسة أبشع أنواع الاعتداءات، التي تشمل القتل والسيطرة على الأراضي، وهناك سياسة موحدة تهدف إلى خلق ظروف طاردة للفلسطينيين من خلال استهداف الأرض والإنسان والشجر والحجر، بل وحتى الاقتصاد الفلسطيني.
وفي وقت سابق أعلن وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش أن العمل نحو فرض السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة قد بدأ، معلناً العام 2025 "عام السيادة على الضفة" مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
وبموازاة الإبادة بغزة، وسّع جيش الاحتلال والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ما أسفر حتى اليوم، عن استشهاد 880 فلسطينيا، وإصابة نحو 6 آلاف و700، واعتقال 14 ألفا و300 آخرين.
وبين 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 و19 يناير 2025، ارتكبت إسرائيل بدعم أمريكي إبادة جماعية بقطاع غزة خلفت نحو 159 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود