النجاح الإخباري - طوال مسيرته السياسية، روج رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو لنظرية عدم الرضوخ لمطالب "الجهات المعادية" أو الاستسلام لمطالبها.
وفي كتابه "مكان تحت الشمس" الصادر عام 1995 الذي ترجم للغات عدة، حاول نتنياهو أن يُعلّم العالم الغربي بأسره – وبالطبع جميع قادة إسرائيل – أن التفاوض مع منظمة "معادية" ممنوع تمامًا، ناهيك عن الرضوخ لمطالبها.
وللتدليل على معارضته لصفقات تبادل أسرى، ضرب أمثلة، وكتب عن "صفقة جبريل" (عام 1985)، يقول: "منذ البداية، اعتبرت صفقة جبريل ضربة قوية لكل الجهود الإسرائيلية لبلورة جبهة دولية ضد "الإرهاب". فكيف تستطيع إسرائيل أن تنصح الدول الغربية والولايات المتحدة بتبني سياسة عدم الرضوخ لمطالب "الإرهابيين"، عندما تكون هي نفسها قد رضخت بهذه الصورة المخزية "للإرهاب"؟".
جرت "صفقة جبريل" عام 1985 وبموجبها أطلقت حكومة الاحتلال برئاسة شمعون بيريز سراح 1150 أسيرًا فلسطينيًا مقابل إطلاق سراح ثلاثة أسرى إسرائيليين قبض عليهم أثناء حرب لبنان الأولى.
وتحدث نتنياهو في كتابه بإسهاب عن معارضته التامة لصفقة لتبادل مع من وصفهم بـ"الإرهابيين" أو الاستسلام لمطالبهم، قائلا: "كانت لدي قناعة بأن الإفراج عن ألف (مخرب) ودخولهم إلى مناطق الضفة الغربية وغزة لا بد أن يؤدي إلى تصعيد العنف؛ لأن هؤلاء (المخربين) سيُستقبلون كأبطال، وكنموذج يُحتذى للشباب الفلسطيني، وكزعماء لمنظمات إرهابية".
وعاد نتنياهو للتأكيد وإيضاح نظريته بعدم الاستسلام أو مفاوضة "الجماعات المعادية" في كتابه "الحرب على الإرهاب" الصادر عام 2004.
لكن نتنياهو وجد نفسه يرضخ لعقد سلسلة صفقة تبادل أسرى تجعله أكثر رئيس وزراء إسرائيلي يُحرر أسرى في ولايته الستة الممتدة لقرابه عقدين، ففي عام 1997 وجد نفسه مضطراً لإطلاق سراح قائد حماس ومؤسسها الشيخ أحمد ياسين مقابل عميلين للموساد أعتقلهما الأمن الأردني خلال محاولتهم اغتيال القيادي في حماس خالد مشعل.
وفي عام 2011 رضخ نتنياهو وعقد صفقة أخرى أطلق خلالها 1027 أسيرًا فلسطينياً مقابل الجندي جلعاد شاليط، ومن أبرز هؤلاء الأسرى يحيى السنوار، الذي يعتبر العقل المدبر لأحداث السابع من أكتوبر، حسب الرواية الإسرائيلية.
ما سبق دفع عضو الكنيست، البروفيسور الإسرائيلي أرييه الداد لوصف نتنياهو بأكبر منافق.
وكتب الداد في صحيفة "معاريف" مقالاً السبت 18/1/2025 يهاجم نتنياهو: "الإسرائيليون الآن يدعمون الصفقة ليس فقط لإنقاذ (الأسرى). بل إن الكثير منهم يأمل أن تؤدي هذه الصفقة إلى تفكك حكومة نتنياهو وإزاحته من السلطة..".
وتابع: "وبحسب وسائل الإعلام، فإن إسرائيل بقيادة نتنياهو وافقت بالفعل. ربما ليس على الانسحاب من كامل القطاع في المرحلة الأولى. ربما ستبقى بعض السيطرة في منطقة ما، على هامش محور فيلادلفيا أو في موقع صغير على محور نتساريم. لكن من حيث المبدأ - إسرائيل وافقت على الانسحاب من أراضٍ تسيطر عليها من أجل تحرير (الأسرى الإسرائيليين)".
وبعد توقيع "صفقة شاليط" كتب المحلل الإسرائيلي عكيفا لام مقالاً بعنوان: "لا مكان تحت الشمس: التآكل المستمر لمواقف بنيامين نتنياهو"، وقال: "إن المقارنة بين التصريحات الحازمة في كتاب " مكان تحت الشمس" وبين التصريحات والأفعال التي صدرت في السنوات الأخيرة تكشف عمق التآكل في مواقف نتنياهو".
وكتب عكيفا يقول: "قليلٌ هم السياسيون في إسرائيل الذين اهتموا بتوضيح أفكارهم الأيديولوجية بشكل واضح، مُبَسَّط ومُختصر، كما فعل بنيامين نتنياهو في كتابَين: "الإرهاب – كيف يمكن للغرب أن ينتصر"، الذي قام بتحريره، و"مكان تحت الشمس"، الذي كتبه بنفسه. يُخصص نتنياهو في الكتابين فصولاً عديدة للإرهاب، وفي كليهما يركز أيضًا على القضية الفلسطينية، التي تعود الآن مجددًا إلى صدارة الأجندة. في كتابه، يُفصّل نتنياهو حجج اليمين المحافظ في إسرائيل، مُنتقدًا في الوقت ذاته أفعال حكومة اليسار في الفترة التي سبقت توقيع اتفاقيات أوسلو".
ويشرح المحلل الإسرائيلي كيف تراجعت مواقف نتنياهو طوال سنوات.
ونجحت المقاومة الفلسطينية على مدار عقود من عقد صفقات تبادل مع الاحتلال الإسرائيلي بعد تمكنها من آسر جنود، وعن ذلك يقول الداد: "كان هناك زعماء لم يصمدوا أمام الضغوط لإطلاق سراح (الأسرى)، وكان بنيامين (نتنياهو) أكثرهم نفاقاً".