القدس - النجاح الإخباري - بعد جهد جهيد، وبعد كثير من التنسيق مع السلطات الإسرائيلية، تمكنا أخيرا من زيارة "الرقم 43".

" أنا اسمي حسني عبد الحي مطرية أبو سعيفان، أو الرقم 43". هكذا استهل أبو العبد تعريفه عن نفسه بعد ترحيبه بنا في حي وادي الحصين الواقع في المنطقة المعروفة بـH2 في مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية. في البداية لم نفهم حكاية الرقم 43 هذه، فمن يعرّف نفسه مضيفا رقما الى اسمه!

النظر في وجه حسني (أبو العبد) او في وجوه أبناء عمومته جمال، ومحمد جميل وهشام تحد في حد ذاته، فأنت لا تملك الا أن تلاحظ التناقض الصارخ في تعابير الوجوه، فالثغر مبتسم وتخرج منه عبارات الترحيب بوفد وكالة الغوث برئاسة السيدة غوين لويس مديرة شؤون الأونروا في الضفة الغربية، أما عيناه ففيهما من الأسى ما فيهما.

قصة السيد حسني وعائلته- وهي عائلة من أصل عشر عائلات لاجئة مسجلة لدى الأونروا تسكن في وادي الحصين- تختزل معاناة عائلة لاجئة بتفاصيل لا أول لها ولا آخر، فذنبه الوحيد هو أنه يسكن بمحاذاة جدار مستوطنة "كريات أربع" الإسرائيلية.

ولأن الجغرافيا قد تلعب دورا في صناعة التاريخ، كان لبيت السيد حسني الدور الكافي في أزمة هذه العائلة التي لا تنتهي مع جيرانهم المستوطنين، والسلطات الإسرائيلية كذلك والتي تفرض على جميع العائلات الفلسطينية القاطنة إجراءات مشددة لـ"دواعٍ أمنية". 

أولى هذه الإجراءات كان إعطاء كل عائلة من العائلات القاطنة في الوادي أرقاما محددة، ومن خلالها فقط بإمكانهم تجاوز الحواجز  المنصوبة على الطريق الواصلة لبيوتهم، ويقول أبو العبد: "لا يهم الاسم، المهم ان تقول للجندي رقمك أولا حتى تتمكن من الوصول الى بيتك".

يعيش في وادي الحصين 10 عائلات  فلسطينية، هذه العائلات ينقصها تقريبا كل شيء. على سبيل المثال لا يوجد في الوادي عربة لجر أنبوبة غاز الطهي التي قد تزن 13 كيلو غراما فقط، مما يضطر الأهالي إلى حملها لمسافة لا تقل عن 700 مترا، وهي المسافة الواصلة بين مدخل الوادي ومنازلهم. فالإجراءات الأمنية الإسرائيلية تمنع وصول المركبات إلى بيوتهم. أضف إلى ذلك، لا يسمح لسيارة الأسعاف بالدخول إلى منطقتهم، مما منع والدة السيد حسني- الحاجة ربيحة- والتي تجاوزت السبعين عاما، من نقلها إلى المستشفى، فهي تعاني من أمراض القلب والسكري. حتى ممنوع على من يداهمها آلام المخاض أن يتم نقلها بواسطة سيارات الإسعاف كذلك.

ويحاول السيد جمال سعيفان توثيق حياته عبر صفحته الشخصية على الفيسبوك، فنشاهد فيديو مؤثر جداً لابنته أثناء مغادرتها منزل والدها يوم زفافها والتي اضطرت خلاله للمشي مسافة 700 متراً كذلك بردائها الأبيض الناصع بعد ان منعت القوات الإسرائيلية أن تقلها سيارة من منزلها لخارج الوادي. 

ووفقا للسيد حسني فإن بيته وبيت جميع العائلات هناك يتعرضون لإلقاء الحجارة وقنابل الغاز والزجاجات الحارقة بشكل دائم من قبل مستوطني "كريات أربع"، مما اضطرهم إلى تحصين شبابيك منازلهم بالقضبان والشباك الحديدية. حتى المولدات الكهربائية الخاصة بالمكيفات الهوائية، لم تسلم هي الأخرى من اعتداء المستوطنين مما دفع بالعائلات لحمايتها بأقفاص حديدية.

ومن الأمور الأخرى التي قد لا يستوعبها العقل البشري، هي عدم قدرة العائلات حضور مناسبة عائلية كفرح ابنة السيد حسني، دون إبقاء بعض الرجال في منازلهم لحمايتها من اعتداء المستوطنين المحاطين بهم. فالخوف هو المسيطر التام على حياتهم، ويتضاعف هذا الخوف في كل مرة ينقطع التيار الكهربائي عن منازلهم حتى ولو في وضح النهار، لأن انقطاعه يعني أن كاميرات المراقبة التي نصبوها في كل ركن من أفنية منازلهم لتصبح الرادع القوى للمستوطنين الذين يقتحمون بيوتهم، قد تتوقف عن العمل، حيث يبدأ عندها خوفهم الحقيقي على حياتهم وحياة نسائهم وأطفالهم، وعلى حياة الحاجة ربيحة الطاعنة في السن.

وبدأت العائلات بنصب الكاميرات بعد الحادث الأليم الذي تعرض له منزل أبو العبد نهاية العام 2008. حيث اقتحم المستوطنون منزل العائلة وأحرقوه وأصابوه مع ابيه وابن اخته وابن عمه، وهو ما يعرف لدى عائلات وادي الحصين بيوم إخلاء عائلة الرجبي.

كما أن السلطات الإسرائيلية لم تسمح لسيارات الإسعاف حينها بالوصول إلى المصابين إلا بعد أن نزفوا لساعتين، وفقط بعد تدخل رئيس بلدية الخليل شخصيا حينها، خالد العسيلي، بمكالمة تلفونية أجراها من إسطنبول التي كان فيها لزيارة عمل.

واستطاعت كاميرات المراقبة بعدها من توثيق ما لا يعد ولا يحصى من الاعتداءات التي تتعرض له هذه العائلات، والتي ينشرها السيد جمال أبو سعيفان مطرية بشكل دوري عبر صفحته على موقع فيسبوك.

منذ شهر أيار/مايو من هذا العام، ارتفع معدل أعمال العنف ضد الفلسطينيين من قبل المستوطنين الإسرائيليين وقوات الأمن بشكل ملحوظ. فعلى سبيل المثال حتى هذا الوقت من العام، سُجلت حوالي 873 حالة عنف من قبل المستوطنين في الضفة الغربية، منها 280 حالة في شهر أيار وحده مما أدى إلى 153 إصابة في أوساط الفلسطينيين. إن أكثر ما تحتاجه أسرة أبو العبد وجيرانه في وادي الحصين هو الحماية من العنف المتصاعد.