شبكة النجاح الإعلامية - النجاح الإخباري - بعد نحو دقيقتين فقط من إعلان كتائب القسام – الجناح العسكري لحركة حماس- على لسان المتحدث بإسمها "أبو عبيدة" عن كمين مركب جرى فيه استدراج قوة إسرائيلية إلى نفقٍ في جباليا وإيقاعها بين قتيل ومصاب وأسير، سارع الناطق باسم جيش الاحتلال وعلى غير العادة ليصدر بياناً قال فيه "ليس هناك أي حادث اختطاف لأي جندي"، فيما وصفت وسائل الإعلام العبرية الحدث بـ"الاستثنائي".

الرد الإسرائيلي السريع في ذلك، أثار العديد من التساؤلات حول أسبابه وتداعياته، في ظل حالةٍ من الغموض عنونتها القسام في مقطع الفيديو الذي نشرته من خلال عبارتي "للحديث بقية" "وهذا ما سمح بنشره" حيث لم تتطرق لأي تفاصيل تتعلق بعدد القوة العسكرية وطبيعة عملها وغير ذلك.

"أبو عبيدة لا يكذب .. ولكن علينا أن لا ننظر للنفي الإسرائيلي باستخفاف"

الباحث في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور يقول في هذا الصدد .. "أبو عبيدة أبقى الأمور مفتوحة للاجتهاد، حيث للمرة الأولى يتم الإعلان بهذه الطريقة، ولربما جميع من أسروا هم قتلى واستعادتهم إسرائيل بعد معركة مع المقاومين".

ويستدرك منصور حديثه للنجاح قائلاً "إسرائيل لا تستطيع أن تنفي حتى الأبد هكذا قضية، وعلينا أن لا ننظر للنفي الإسرائيلي باستخفاف وكأنه أمر سهل، لأن ذلك يضعهم في مأزق أمام الجمهور الإسرائيلي وأهالي الأسرى".

"في تقديري أبو عبيدة لا يكذب ولا يخرج من فراغ ويعلن عن هكذا عملية، لكن الفيديو قصير جداً ولا يوضح شيء حاسم وبحاجة لتفاصيل وتفكير في المعطيات، للتأكد من حتمية وجود أسرى لدى المقاومة من عدمه، ولربما يكون وسيلة لاستدراج تصريحات أخرى من الجانب الإسرائيلي، حيث تتعمد كتائب القسام استخدام هذا النوع من البيانات العسكرية حينما لا تكون متأكدة من النتائج"، يضيف منصور.

ويرى منصور أن هذه العملية إن حدثت بهذه الطريقة، فلها دلالات مهمة وتشير إلى أمر مخطط له ومدروس، وهرمية قيادية فعالة لكتائب القسام بشكلٍ قوي، على عكس ما يحاول بنيامين نتنياهو الترويج له بتفريق هذه الكتائب وإبقائها كمجموعات صغيرة.

ويصف عصمت منصور أن هذه العملية لربما تكون هي الأكبر منذ بداية الحرب على غزة في نوعيتها وتعقيداتها، والمقياس ليس دائماً بعدد القتلى، حيث إن التعقيد والدقة والتزامن في العمل هو ما ينظر إليه أيضاً.

"فيديو القسام .. سيؤثر لكن لن يشكل انقلاباً على بنيامين نتنياهو"

فيما يعتقد المختص بالشأن الإسرائيلي د. محمد هلسة، أن إعلان كتائب القسام عن عملية أسر لجنود إسرائيليين سيكون له أثر في الداخل الإسرائيلي، لكن لن يشكل نقطة تحول وانقلاب للمشهد على بنيامين نتنياهو، لأن هنالك مجموعة من الاعتبارات تحكم ردات الفعل الإسرائيلية.

ويشير هلسة إلى أن النفي المباشر لعملية أسر الجنود بالأمس، يأتي ضمن محاولات إسرائيلية أن لا ينتشر هذا الخبر بين الجمهور الإسرائيلي ويحدث ارتدادات لا يريدها المستوى السياسي.

ويضيف هلسة في حديثه للنجاح قائلاً: "كل التوثيقات التي نشرت بقضية الرهائن، لم تدفع الحراك الإسرائيلي لتجاوز الوتيرة التي يعمل وفقها طيلة 7 أشهر الماضية، وهذا ما يدعمه بنيامين نتنياهو ويعمل عليه من خلال تخوينه للخصوم بشكلٍ دائم، وتخويف الإسرائيليين بالتهديد الوجودي اذا أوقفت الحرب، وبأن يعاد السابع من أكتوبر مرةَ أخرى وما يصفه بالإرهاب".

ويذهب المحلل السياسي سليمان بشارات إلى قراءة أبعاد ما أعلنته كتائب القسام إسرائيلياً، موضحاً في هذا الإطار، بأن الجانب الإسرائيلي لا يعترف بحجم الخسائر في كل الحروب التي يخوضها، وذلك في سبيل امتصاص الصدمة المباشرة وبرمجة الخطاب الإعلامي الداخلي الإسرائيلي حتى لا يؤثر على تحرك الشارع الإسرائيلي تجاه السياسات الإسرائيلية.

وأكد بشارات أن هذه الحادثة ستشكل قوة ورصيد إضافي للمقاومة الفلسطينية، وورقة ضاغطة على بنيامين نتنياهو والمسار التفاوضي، وعلى حالة الجدل الداخلية في إسرائيل بما يزيد من حجم وطبيعة الخلاف ما بين المستوى الأمني والسياسي والعسكري.

من جديد .. محاولاتٌ لتحريك مياه صفقة التبادل الراكدة

وعقب إعلان إسرائيل بالأمس أن المفاوضات مع حركة حماس بشأن التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار ستُستأنف الأسبوع المقبل، دون ذكر يوم محدد، فيما نفت الحركة ذلك مؤكدة أنه لم يصلها أي شيء من الوسطاء يفيد بالعودة إلى المفاوضات مع إسرائيل بشأن صفقة تبادل الأسرى.

ويرى د. هلسة بهذا الصدد أن حديث الوسطاء عن استئناف المفاوضات يأتي من باب الرغبة الجامحة لدى الجميع بمن فيهم الولايات المتحدة للوصول الى اختراق في هذا الأمر، لكنهم يدركون تماماً أن الأمر مناط في نهاية المطاف بمدى استعداد نتنياهو لتقديم تنازلات حقيقية تدفع باتجاه جسر الهوة القائمة بين اشتراطات الطرفين.

وذكر هلسة إلى أن المقاومة الفلسطينية تقول اليوم بأنه لا مجال للبحث في ترتيبات الورقة التي تم الموافقة عليها، والمطلوب من الطرف الإسرائيلي الآن أن يقدم موافقته على هذه الورقة لنذهب باتجاه مسار تفاوضي حقيقي.

وحول العوامل التي جعلت الطرف الإسرائيلي يعلن عن استئناف المفاوضات، ذكر هلسة أن نتنياهو في سلوكه وعلى امتداد هذه الحرب، كلما وصل الى مفترق طرق يشعر فيه بأن هنالك جملة من التحولات الداخلية و الخارجية يلجأ إلى محاولة تضليل الجميع بأنه لديه نية للذهاب الى مسار تفاوض يفضي الى صفقة، والى الإفراج عن الأسرى، وإلى هدنة مع تمسكه بقضية عدم وقف الحرب، فيما ثبت في كل محطات التفاوض بأن نتنياهو يكذب ويماطل".

ويضيف هلسة: "الحرب تنتهي إذا حدث أمران إذا أرادت الولايات المتحدة أن تمارس ضغطاً حقيقيا فعلياً، وتغادر مربع الخجل والتمني ودبلوماسية العتب مع نتنياهو، وهذا ما لا نتوقعه، الأمر الثاني إذا حدثت تحولات في الداخل الإسرائيلي،  في ظل حالة تناغم مجتمعي داخلي ما زال يقرأها نتنياهو تريد استمرار هذه الحرب، لكن جزءًا منهم يود على استحياء استعادة الأسرى"

ومن الجدير ذكره، أنه وبوساطة قطر ومصر والولايات المتحدة، تُجري حماس وإسرائيل منذ أشهر مفاوضات غير مباشرة متعثرة، للتوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى ووقف الحرب على غزة التي اندلعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وعلى مدى يومين، استضافت القاهرة آخر جولة تفاوض، قبل أن يغادر وفدا حماس وإسرائيل العاصمة المصرية في 9 من مايو/أيار الجاري دون إعلان التوصل إلى اتفاق، رغم قبول حماس آنذاك مقترحا قطريًّا مصريًّا بشأن تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار مع إسرائيل، وهو ما رفضته الأخيرة.

وتعرقلت جهود التوصل إلى الصفقة الأخيرة بشأن غزة بعد رفض إسرائيل لها بدعوى أنها لا تلبي شروطها، وبدئها عملية عسكرية على مدينة رفح في 6 من مايو، ثم السيطرة على الجانب الفلسطيني من معبر رفح في اليوم التالي.

لكن في اليومين الماضيين تقول التقارير إن الوسطاء يبلورون حلولاً ومقترحات جديدة للدفع بمفاوضات وقف إطلاق النار قدماً، حيث تقول العديد من المعطيات إن إسرائيل تبدي مرونة حاليا.