النجاح الإخباري - رد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار أوامر لاعتقاله هو ووزير حربه يوآف غالانت عن اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بقوله إنها "فضيحة، هذا لن يوقفني، أو يوقفونا". 

لكن المثير للاهتمام في بيان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، الذي طلب أيضا إصدار مذكرات اعتقال بحق ثلاثة من قادمة حركة حماس، كان وصفه للصراع في قطاع غزة بأنه "غير دولي". 

وجاء في بيان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية "يقدم مكتبي أن جرائم الحرب المزعومة في هذه الطلبات ارتكبت في سياق نزاع مسلح دولي بين إسرائيل وفلسطين، ونزاع مسلح غير دولي بين إسرائيل وحماس يجريان بالتوازي".

ويقول شعوان جبارين، عضو الفريق الاستشاري لجنوب أفريقيا في الدعوى التي قدمتها ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية ومدير عام مؤسسة (الحق) الفلسطينية لحقوق الإنسان، لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) اليوم الاثنين "الاحتلال هو أحد أشكال النزاع الدولي المسلح، والنزاعان (المسلح الدولي وغير الدولي) ينضويان تحت لواء القانون الإنساني الدولي".

وأضاف "البعض يقول إن العمليات المسلحة الأساسية عندما تنتهي يتحول دور قوة الاحتلال إلى دور إداري، وهذا ما يفسر بأنه ليس نزاعا دوليا مسلحا، ولكن نحن ننظر إليه قانونيا أنه نزاع دولي مسلح".

كانت هناك خلافات دائما في تعريف مصطلح "النزاع المسلح غير الدولي"، غير أن خبراء اتفقوا على اعتباره من صميم المسائل الداخلية التي تخضع للقانون الداخلي للدولة التي وقع النزاع المسلح فيها، فتكون لها الحرية في قمع من لجأوا إلى حمل السلاح ضدها، دون مراعاة أحكام القانون الدولي والذي اقتصر تطبيقه على النزاعات المسلحة بين الدول، وفقا لما جاء في كتاب عمار جبايلة (مجال تطبيق الحماية الدولية لضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية).
 
وفي عام 1962، قدم الفقيه في القانون الدولي موراغوداج كريستوفر والتر بينتو تعريفا للنزاعات المسلحة غير الدولية بأنها "كل نزاع يتميز بطابع جماعي وحد أدنى من التنظيم، ومن غير الضروري اشتراط مدة للنزاع، أو أن يستولي المتمردون على جزء من الإقليم... وبذلك يمكن اعتبار النزاع المسلح غير الدولي أكثر اتساعا من مفهوم الحرب الأهلية".

واقترحت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بعض المعايير في محاولة لإيجاد تعريف محدد للنزاع المسلح غير الدولي. 

وحدد الصليب الأحمر هذه المعايير بأن يملك الطرف المتمرد قوة عسكرية منظمة وسلطة مسؤولة عن أعمالها، وأن تكون الحكومة الشرعية مضطرة لاستدعاء جيشها المنظم لمحاربة المتمردين، وأن تكون قد اعترفت للمتمردين بصفة المحاربين، وإذا كان النزاع قد أدرج في جدول أعمال مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة على أنه يهدد السلم والأمن الدوليين، وكذلك أن يكون للمتمردين نظام تتوفر فيه بعض خصائص الدولة.

من جانبه، يشير عمار دويك، رئيس الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في فلسطين، إلى أن توصيف النزاع المسلح غير الدولي يطلق على النزاعات الأهلية أو بين أفراد الدولة الواحدة.

وأبلغ وكالة أنباء العالم العربي "الحرب الحالية بين إسرائيل وحماس تعتبر نزاعا مسلحا دوليا وفقا للقانون الدولي، والحالة التي يعتبر فيها القانون الدولي النزاع المسلح غير دولي في حال كانت حرب أهلية، أي بين أفراد الدولة الواحدة".

وأضاف دويك "وفقا للمحكمة الجنائية الدولية، ما يحدث الآن نزاع مسلح دولي كون فلسطين اعتبرت أن إسرائيل تشن عدوانا على الشعب الفلسطيني، كما أن هذا هو المسمى الذي يطلق عليه بحسب القانون الدولي".

وعرفت منظمة العفو الدولية النزاع المسلح غير الدولي بأنه "مواجهة مسلحة طال أمدها بين القوات المسلحة الحكومية وقوات جماعة مسلحة واحدة أو أكثر، أو بين هذه الجماعات التي تنشأ على أراضي دولة ما. ويجب أن تصل المواجهة المسلحة إلى حد أدنى من الشدة، ويجب على الأطراف المشاركة في الصراع أن تبين مستوى أدنى من التنظيم".

وأشار الباحث مالك عباس جيثوم في دراسة بعنوان (التنظيم القانوني للنزاعات المسلحة غير الدولية: دراسة في ضوء أحكام القانون الدولي الإنساني) إلى أن المحكمة الجنائية الدولية في عام 1997 حددت المعايير اللازمة لاعتبار المواجهات نزاعا مسلحا غير دولي، وهي مستوى العنف ودرجة التنظيم لدى الأطراف.

ويضيف "أي أن تعريف المحكمة الجنائية الدولية حدد بعض المعايير للنزاع المسلح غير الدولي، وهي المدة أو الفترة الزمنية التي استمر فيها النزاع، وهذا يعني أن النزاع المسلح غير الدولي ينبغي أن يكون طويل الأمد، لكن التعريف لم يعط سقفا زمنيا للمدة، كما أكد التعريف على كثافة العنف المسلح سواء كان بين الحكومة والجماعات المتمردة أو الفئات المتمردة نفسها. 

"واعتمدت المحكمة فيما يتعلق بتقييم كثافة النزاع المسلح على عوامل مختلفة، مثل جدية الهجمات وتكرارها وانتشار هذه الهجمات المسلحة على إقليم الدولة".

واعتبر مراقبون أن التوصيف الذي أطلقه المدعي العام يهدف إلى نزع الشرعية السياسية والقانونية لحركة حماس، ومحاولة لاعتبارها طرفا غير متساو في الاتفاقيات الدولية، إذ تخضع النزاعات غير الدولية لمجموعة مختلفة من القواعد مقارنة بالنزاعات المسلحة الدولية.

في الوقت نفسه، يعتبر دويك قرار الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال على مستوى رئيس وزراء ووزير دفاع في إسرائيل تطورا مهما فيما يتعلق بالملاحقة الجنائية لجرائم الحرب. 

وقال "هذا القرار لم نكن نتوقعه قبل فترة ويجب البناء عليه، ونأمل أن يؤسس لمرحلة جديدة في مساءلة مجرمي الحرب الإسرائيليين".

غير أنه يرى أيضا أن قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لم يتطرق لمعاملة المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وفي المقابل تحدث عن سوء معاملة الأسرى الإسرائيليين. 

وسينتقل طلب المدعي العام إلى الدائرة التمهيدية الأولى بالمحكمة الجنائية الدولية التي تتألف من ثلاثة قضاة. وفي المعتاد تستغرق المحكمة الجنائية الدولية شهرا واحدا على الأقل لإصدار أوامر الاعتقال، ويستطيع القضاة تعديل طلبات أوامر الاعتقال أو الموافقة على أجزاء منها فقط.

وقال يوفال كابلينسكي، الرئيس السابق لقسم القانون الدولي في مكتب المدعي العام الإسرائيلي، لصحيفة معاريف "أفترض أن المحكمة ستوافق، لأن المدعي العام بالتأكيد كان حذرا في هذا الأمر، ومع ذلك يجب أن أشير إلى أنه تحدث عن أوامر الاعتقال ضد حماس كأوامر مؤكدة، ولكن عندما تحدث عن الجانب الإسرائيلي قال 'كل شيء يعتمد على ما إذا كانت المحكمة ستوافق أو لا'.

"لا أعرف سبب تعبيره بشكل مختلف تجاه الطرفين. كما أنه أبدى مشاعر أكثر تجاه الظلم الذي ارتكبته حماس. يبدو أنه لا يرى الأمر بشكل متماثل، بل هناك مستويات من الخطورة، ومع ذلك وجد أن الجانب الإسرائيلي، بناء على الأدلة التي جمعها، انتهك قوانين الحرب بطريقة تبرر أوامر الاعتقال".

وقال القيادي في حماس محمود المرداوي إن الحركة ترفض طلب المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية إصدار أوامر اعتقال بحق قادتها، مطالبا المحكمة بالفصل "بين الذي يمارسه الاحتلال وما يفعله من يقاوم الاحتلال"، ووصف أوامر الاعتقال التي صدرت بحق نتنياهو وغالانت بأنها غير كافية.

وأبلغ المرداوي وكالة أنباء العالم العربي "الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية منحت الشعب الفلسطيني حق المقاومة... ولا يمكن بحال من الأحوال أن يتحول الضحية إلى جان، لذلك هذا الطلب مرفوض رفضا قاطعا من حركة حماس".