تمارا حبايبة - النجاح الإخباري - لطالما تميزت التنظيمات المسلحة بقدرتها على التكيف مع التطورات التكنولوجية واستخدامها لخدمة أهدافها العسكرية، وحزب الله في لبنان هو أحد هذه التنظيمات التي لجأت إلى وسائل تقنية قد تبدو قديمة لكنها تظل فعالة، ومن بينها أجهزة البيجر التي كانت تستخدم على نطاق واسع في الثمانينات والتسعينات كوسيلة تواصل سريعة وفعالة،
وبينما قد يعتبرها البعض وسيلة قديمة في عصر الهواتف الذكية والاتصالات المشفرة، إلا أن حزب الله وجد فيها مزايا فريدة تجعلها خيارًا مفضلاً في بعض الحالات، خاصة في ظل التحديات الأمنية الكبيرة التي يواجهها.
استخدمت اجهزة البيجر لإرسال إشعارات نصية قصيرة عبر موجات الراديو إلى المستخدمين، وقد كان شائعًا قبل انتشار الهواتف المحمولة، خصوصًا بين المهنيين كالأطباء وغيرهم، حيث يتيح إمكانية إرسال رسائل نصية أو إشعارات بسيطة توضح أرقام هواتف للاتصال بها، ولأنه يعتمد على موجات راديو غير معقدة، فإنه يمتاز بصعوبة تعقبه واعتراض رسائله مقارنة بالهواتف الذكية التي تعتمد على أبراج اتصالات وأقمار صناعية يمكن رصد إشاراتها بسهولة أكبر.
و يعتبر حزب الله أجهزة البيجر وسيلة مثالية للتواصل بين وحداته ومقاتليه لأسباب عدة أولها الأمان والخصوصية، إذ أن رسائل البيجر يصعب اعتراضها أو التنصت عليها بواسطة أجهزة الاستخبارات المتطورة، فالتواصل عبر هذا الجهاز أبسط وأقل تعقيدًا من التقنيات الحديثة،
كما ان استخدام حهاز البيجر يجنب الحزب الاعتماد الكلي على التكنولوجيا المفرطة مثل الهواتف الذكية التي قد تكون عرضة للاختراق، ويعتبر البيجر في هذا السياق وسيلة تكنولوجية بدائية لكنها مؤمنة إلى حد كبير من عمليات التجسس والتنصت.
إضافة إلى ذلك، يتمتع البيجر بالبساطة وسهولة الاستخدام في الميدان، فهو لا يحتاج إلى شحن مستمر مثل الهواتف الذكية، مما يجعله مناسبًا في ظروف القتال أو البيئات الميدانية التي لا تتوفر فيها وسائل الشحن، كما أن الرسائل المرسلة عبر البيجر قصيرة ومباشرة، مما يقلل من فرص حدوث أخطاء أو تأخير في التواصل الذي قد يكون مكلفًا في العمليات العسكرية.
كما يتيح استخدام البيجر إمكانية التنسيق الميداني السريع بين المقاتلين والقادة، حيث يمكن إرسال أوامر أو تعليمات فورية دون الحاجة إلى إجراء مكالمات هاتفية طويلة قد تعرض المستخدم للكشف أو التعقب، كما يتميز البيجر بقدرته على العمل في ظل ظروف تشويش قد تتعطل فيها الاتصالات اللاسلكية التقليدية، إذ يعمل الجهاز على ترددات يصعب تشويشها أو تعقبها بسهولة، مما يمنح الحزب مرونة في متابعة اتصالاته حتى في أصعب الظروف.
على الرغم من هذه الفوائد الأمنية والتكتيكية لاستخدام البيجر، شهدت بعض المناطق اللبنانية امس واليوم تفجيرات استهدفت شبكات البنية التحتية للاتصالات الخاصة بهذه الأجهزة، ويبدو أن هذه التفجيرات تأتي ضمن محاولات مستمرة من قبل الجهات المعادية لحزب الله لتعطيل قدراته على التواصل، فمن المرجح أن تكون هذه الهجمات تستهدف تعطيل شبكة البيجر التي يعتمد عليها الحزب، لكن رغم ذلك يتمتع حزب الله بقدرة عالية على استعادة شبكاته بسرعة أو اللجوء إلى بدائل تقنية أخرى.
في المقابل يُظهر حزب الله مرونة وقدرة كبيرة على مواجهة التحديات الأمنية والتكنولوجية، واستخدام البيجر كوسيلة للتواصل في ظل التقدم التكنولوجي الحالي هو دليل على أن التفوق العسكري لا يعتمد بالضرورة على التقنيات الأكثر حداثة، بل على القدرة على تطويع الأدوات المتاحة لخدمة الأهداف بطريقة فعالة، ويظل استخدام البيجر بالنسبة لحزب الله وسيلة ناجحة تتيح له الحفاظ على أمان اتصالاته وتحقيق التنسيق بين وحداته في الظروف الأمنية الصعبة.
و في ظل هذه المعطيات، ومع التحديات الأمنية المتزايدة، يبقى السؤال مفتوحًا: هل سيظل حزب الله متمسكًا باستخدام أجهزة البيجر في المستقبل، أم أن التقدم التكنولوجي وتطور أساليب المراقبة والتعقب سيجبره على تبني وسائل اتصال أكثر حداثة؟