وكالات - عقل أبو قرع - النجاح الإخباري - بعيدا عن الشعارات والعناوين الكبيرة، تزخر حياة الناس بالكثير من القضايا والأمور، وتؤثر هذه القضايا على الحياة اليومية للكثير من الناس، ومنها ما يؤثر على لقمة العيش للفرد ولأفراد العائلة وعلى الحياة الكريمة لهم، ومن هذه القضايا ما كان نتاجا لنقاش ودراسات وقرارات من خلال صناع القرار من كافة القطاعات، العام والخاص والأهلي، ومنها ما هو نتاج لأوضاع وتطورات وتداعيات وتراكمات متنوعة آلت إلى ما آلت إليه من أوضاع.
وهنا يأتي الدور الأساسي للصحافة من خلال التتبع بل والاشتراك أو الإقحام في مختلف هذه الأمور التي سوف تصبح قرارات أو أوضاعا، ومنها قضايا الأسعار والتشغيل والتعليم والرعاية الاجتماعية والصحية ومنها أوضاع مثل ما يحدث الآن من تداعيات للتغيرات البيئية والمناخية في العالم علينا، فيما يتعلق بالمياه والتربة والإنتاج الزراعي والطعام والنفايات والطاقة والأمراض والآفات المختلفة، التي تفرزها ارتفاع الحرارة وقلة الأمطار والتصحر وتقلب الجو وما إلى ذلك.
والصحافة الحرة والموضوعية، هي التي تعالج القضية أو المشكلة بدءا من أسبابها، ومن ثم المتابعة حتى توفير الحلول لها، وتلك التي تطارد المسؤول حتى كشف الحقيقة، وتلك التي تستطيع أن تدخل إلى بيت المواطن والناس وتنال ثقتهم وبالتالي يدافعون عنها وعن حريتها، وتلك التي تهتم بأمور حياتية بسيطة، أو بقضايا فردية منسية، ولكنها ذو بعد جماعي أو مجتمعي، والصحافة الحرة هي التي تبني ثقافة الحرية والموضوعية والنزاهة والانتماء إلى المواطن والبلد والمجتمع.
وإذا كانت السياسة وبجوانبها وتبعاتها هي جزء من الحياة في بلادنا، فلا يعني هذا من قبل الصحافة، الابتعاد عن قضايا الناس اليومية المعيشية، ولكن العمل من اجل سبرها وتوفير الحلول لها، وبالأخص تلك القضايا، التي يمكن أن تحدث فرقا أو تغييرا في حياتهم، وفي خضم السياسة التي نحياها، وبالتالي امتلاء الصحافة بهذه القضايا، تتناقص أو حتى تندثر المساحة المتاحة التي من الممكن أن تعالج مثل قضايا كهذه في صحفنا اليومية، سواء من ناحية الأخبار، أو التحليلات، أو حتى أن المقالات هي في غالبها سياسية، والتقارير لا بد أن تعرج على الاحتلال والاستيطان والجدار والسياسة، وبالطبع الأخبار أن لم تكن مباشرة فإنها غير مباشرة تمس السياسة.
وربما يجادل البعض أن هذا هو واقعنا ووضعنا، ولكن هذا الواقع مستمر منذ سنين طويلة ويمكن أن يستمر لسنوات عديدة وطويلة، وبالتالي يتوجب إتاحة مساحة أوسع وإبراز قضايا تعالج قضايا الناس، من فقر ومن بطالة وأسعار وتلوث وحوادث للسير ونفايات وأمراض سارية أو غير سارية وأقساط المدارس والجامعات وسلامة الأدوية والأغذية وقضايا عديدة تهم المواطن والمستهلك والقرية والمدينة والمخيم والحي والشارع، اعتقد أن ذلك مطلب يتردد على ألسنة العديد من الناس وبأنواعهم، وهو الذي تراعيه أو تركز عليه الصحافة في كثير من المناطق في العالم.  
حيث إننا نرى ونقرأ عن قضايا يومية حياتية للناس، في الصحف العالمية الكبرى، سواء أكان ذلك على شكل أخبار أو تقارير أو مقالات أو دراسات مبنية على أسس علمية، تنبع من مراكز الأبحاث والدراسات التي تتبع الصحافة بشكل مباشر، أو بشكل تعاقدي معها، وتشد هذه القضايا المواطن، لأنها تعالج قضاياه التي يلمسها ويتوق إلى إيجاد حلول لها، من قضايا تشمل الاقتصاد والبيئة والازدحام والضجيج والتعليم والسفر وما إلى ذلك من أمور حياتية، كم المواطن تواق إلى مشاهدتها وقراءتها في الصحف اليومية وغير اليومية.
وإذا كان موضوع الفساد وبأنواعه، وبأحجامه المختلفة، وبأشكاله المتعددة، شكل ويشكل مادة خصبة للصحافة، وكذلك مادة جذابة للناس للقراءة والمتابعة، فالسؤال هو هل قامت الصحافة الفلسطينية بتناول هذا الموضوع كما يستحق، سواء من خلال البحث والتنقيب وتوخي الدقة، ومن خلال عرض النتائج بموضوعية وبأسلوب علمي بعيدا عن التهريج والضجيج، أو من خلال المتابعة حتى الوصول إلى نتائج وقرارات، أو من خلال تدريب أو إعداد صحافيين متخصصين في هذا المجال.    
وفي بلادنا، لا يوجد نقص أو شح في عدد الصحافيين أو الإعلاميين بشكل عام، بل تزخر بلادنا بالصحافيين، وفي كل المجالات، وتوجد كليات الصحافة والإعلام تقريبا في معظم الجامعات الفلسطينية، وتخرج الآلاف من طلبة الصحافة والإعلام كل عام، وفي التخصصات الإعلامية المختلفة، وتوجد في بلادنا محطات الإذاعة الكثيرة والمتنوعة وتلفزيونات عديدة وصحف بأنواع وأحجام وتوجهات مختلفة، وتعمل في بلادنا معظم الوكالات أو محطات الإعلام والصحافة في العالم، وتتسابق محطات الإعلام الكبرى في العالم لإيجاد موطئ قدم لها عندنا، وتقوم ودون تردد بتشغيل الصحافي الفلسطيني.
ولا جدال أن الصحافي الفلسطيني، قد ابدع ونجح وهناك الكثير من الأمثلة على الصعيد العربي والعالمي، ولكن المحور الأهم لنجاح أي صحافي هو تواصله أو معايشته أو معالجته لقضايا المحيط الذي يحيا فيه، وقضايا المواطن الحياتية اليومية، وهموم المواطن الذي من المفترض أن يمثله، وقضايا البلد أو المجتمع الذي نما وترعرع فيه، وبالتالي فإن السؤال الأهم، وفي ظل الزخم الصحافي الكثيف في بلادنا، هو هل نجح الصحافي الفلسطيني، ليس فقط في طرح قضايا وأمور وشؤون الناس، ولكن هل نجح في متابعتها وفي الحصول ليس على إجابات لها، أو على وعود مؤقتة وبراقة كما يتم في معظم الأحيان، ولكن هل نجح في إيجاد حلول لمصلحة المواطن، حلول تبقى وتدوم بعد الانتهاء من التحقيق أو التقرير أو المتابعة الصحافية؟
ومن خلال التركيز على قضايا الناس اليومية، فعلى الصحافة الفلسطينية أن تقلص مساحة ما له علاقة بالسياسة وامتداداتها، وكذلك أن تقلص مساحة ما له علاقة بالندوات وورشات العمل والاجتماعات والتي في العادة تتم تغطيتها بشكل سطحي، وبأن تفرد مساحة اكبر لقضايا الناس، وبأن ترصد ميزانيات أعلى لتأهيل صحافيين متخصصين، ينقبون ويتابعون قضايا الناس اليومية البسيطة والحياتية، ويعملون من اجل إيجاد الحلول التي تعمل على حل مشاكل الناس، وبالتالي تزيد احترام الناس لها، ومن ثم تشدهم اكثر إلى الصحافة، في وقت يصل الاهتمام بما تحويه الصحف هذه الأيام من تكرار تحت عناوين مختلفة إلى أقل درجات الاهتمام.