وكالات - حسن البطل - النجاح الإخباري - بين الزمن الأزليّ وزمن زائل، يُكتب لتاريخ الأرض «عُمُر جديد»: ثانية واحدة تُضاف إلى الستين ثانية من الدقيقة الأخيرة .. «عندما يتعانق عقربا الساعة» - كما يقال في الخطاب الإنشائي!
قَلَّ من يلتفت، إلى حقيقة بَيُولوجية: لكلّ عُمْر إنسان أُضيفت ثانية جديدة، لأنّ الأعمار المُقدّرة منسوبة إلى دوران الأرض حول الشمس، ودوران المجموعة الشمسية في موقعها من المجرّة؛ ودوران مجرّتنا في موقعها من الكون الرحيب.
الأَزَل - وليس الإنسان - هو سيّد الدهر «ويَبقى وَجهُ ربِّكَ ذُو الجلالِ والإكرام»، وللإنسان توقيت؛ وللتوقيت ساعة تعمل منذ خليقة الكون. هكذا، يتم ضبط ساعة الأرض (أي أعمار مُقدّرة لكل حيّ عليها) على «ساعة» تُسمّى «الكازارات»، وهي أبعد المجرّات عن مجرّتنا، وعن مجموعتنا الشمسية. ولدت لحظة ولادة الكون .. ولا تزال تبتعد!
ثانيةٌ واحدة، ستجعل الدقيقة الأخيرة من العام 1999 تُعادل 16 ثانية، أي: خَفْقَة قلب ورُبع الخفقة (أو خَفْقَتَيْن لقلب العاشق).. بُرهة في عُمْر الإنسان (دقيقة في عُمُر فراشة تعيش أُسبوعاً!).
في قرننا هذا، استطال مُتوسّط عُمُر الإنسان رُبع قرن، حيث يبلغ، حالياً 75 عاماً للذكر و82 عاماً للأُنثى، بفعل تقدُّم الطبّ، وتحسُّن نوعيّة الغذاء. لكن، مُتوسّط العُمْر المُعَاش لا يزال يَقْصُر عن العمر البَيُولُوجي المُقدّر للإنسان (خمسة إلى ستة أضعاف ذروة العمر البَيُولُوجية البالغة 21 سنة × 6 = 126).
.. وفي قرننا هذا تقدّم علم الإنسان، بالعلم والتِكنُولُوجيا، بما يُضارع تقدّمه خلال ألفَي عام، في الأقل.
ثانيةٌ واحدة من العُمُر تُؤخّر المحتوم ثانية واحدة. لكن، ثانية واحدة تكفي ليقطع الضوء أكثر من 300 ألف كيلومتر.
الصورة السينمائية المتحرّكة هي مجموعة 24 صورة «ثابتة» في الثانية .. غير أنّ الإنسان يستعيد شريط حياته كلّه، في ثانيةٍ واحدة، تسبق رحلته النهائية - اللّانهائية من زمنه الزائل إلى زمنٍ أزلي - سرمدي. وتستطيع، أيُّها القارئ، أن تُدرك هذا، لأنّه عندما تعرّضت حياتك لخطرٍ ما، وَمَضَت في صفحة ذاكرتك: أيّام، أسابيع؛ شُهور وسنوات.
***
حتى قبل التاريخ الميلادي، الأكثر شُيوعاً في حضارة اليوم، دأب الإنسان على الاحتفال بانتصاره المُخادع - الغادر على الزمن، وعن إدراك أنّ العمر ثانية واحدة، مُطوّلة أو خاطفة. ويُضيف العِلْم البيولوجي سبباً إضافياً لاحتفال الإنسان بسير عقرب الزمن على ساعة الدهر الأزلي: حياة الإنسان، لحظة التحام النطفة بالبُويضة في رحم أمه، ليست أكثرَ من «مُصادفةٍ» تتواتر حتى تبدو «قانوناً».
ما أنت إلّا نُطفة واحدة من مليارات «الحوينات» المنوية، التي دخلت سباق الحياة إلى «بويضة» واحدة (نادراً اثنتين) .. وكانت النتيجة: كُتِبَتْ لك «الحياة»؛ وكتِبَ على مليارات «الحوينات» الأُخرى «الموت».
في الثانية الـ 16 من الدقيقة الأخيرة للعام 1998، قِفْ وفَكِّر: هل لك أمل بكسب ورقة يانصيب قيمتها 10 مليارات دولار، وعدد أوراق السحب 10 مليارات ورقة؟ تصوّر يا سيّدي القارئ - لو أنّ مجلس الأمن قرّر إصدار «يانصيب» عدد أوراقه خمسة مليارات ورقة (ما يُقارب عدد البشر على هذه المَعْمُورة، الآن).. فإذا بك أنت صاحب الرقم الرابح؟!
***
ما الذي يُفسِّر انتصار التاريخ «الميلادي» على تأريخات كالتي لدى الصينيين، أو الهندوس، أو المسلمين.. أو عَبَدة النار والأفلاك؟!
منذ أدرك الإنسان مركزيّته في حياة الأرض «سيّد العالم»، اختار يوم ميلاد إنسان، هو السيّد المسيح، لضبط ساعة التاريخ على معصم الزمن، فتوقّف عن عادة تقديم القرابين البشريّة طاعةً للحياة (بما هي دهر يبدو أزليّاً).
***
تَوقّف الإنسان عن عبثِ انتحال الدهر، فتوقّف عن أسماء مثل «بديع الزمان»، «قمر الزمان».
من تقلُّبات «الزمن الحضاري»، نهديكم:
«غرناطة ما لها نظير/ ما مصر ما الشام ما العراق»
«ما هي إلاّ عروس تُجلى/ وتلك من جملة الصداق»
ومن سير الزمن سيراً أُنثوياً، نهديكم:
«كَأنّ مِشْيَتَهَا مِنْ بَيْتِ جارَتِهَا/ مرّ السّحابة، لا ريثٌ ولا عجلُ»
ومن شعر الإنسان في الزمن:
«لتنتصر لغتي عليَّ/ على سلالاتي/ على الزمن العدو/ على زوالٍ لا يزول»
صحيح: ثانية واحدة جديدة.. «لا ريثٌ ولا عجلُ» في دورة الزمان.
كلُّ عامٍ وأنتم بخير .. «يا أُولي الألباب».