رامي مهداوي - النجاح الإخباري - غالبا ما يُنظر إلى العلاقة بين الثقافة وحرية الدين أو المعتقد على أنها علاقة سلبية، وما يُلمح إليه هو أن الثقافة هي المشكلة وليست الدين. ومع ذلك، فإن الواقع هو أنه في كثير من الحالات، لا تختلف الثقافة والدين كثيرا، حيث تصبح الممارسات الثقافية «متدينة» وتصبح الأفكار الدينية جزءا من الثقافة. الاعتراف بهذه العلاقة يمكن أن يفتح مجالات أخرى أكثر إيجابية لتعزيز حقوق الإنسان.

ما يحدث من هجوم على المؤسسات الثقافية الفلسطينية بأشكال متنوعة، كان آخرها تعرض مؤسسة عبد المحسن القطان لتهديد من مجهول في محاولة لمنعها تنفيذ أمسية موسيقية في مركزها الثقافي لهو مصدر قلق كبير ليس فقط للمؤسسة وإنما للحياة الثقافية الفلسطينية التي نفتخر بها على الصعيد الأممي.

ما يحدث من هجمات ضد أدوات الثقافة ــ حتى لو كانت مختلفة عنّا ــ لهو سبب أساسي في زعزعة استقرار المجتمع، وتدعم الإجرام المنظم وتعيق بشكل خطير جهود الحفاظ على الهوية في زمن محاربتها من قبل ماكينات الاحتلال وأعوانهم. لهذا وبصوت مرتفع أقول يجب محاكمة مرتكبي الجرائم ضد المؤسسات الثقافية، كجرائم في حد ذاتها تُدمر السلم الأهلي والمجتمعي، هذا الجرائم ضد الثقافة يجب أن لا تُترك بلا عقاب.

لهذا ما حدث ويحدث لهو إشارة إنذار مبكر للحياة الفلسطينية التي يريد الظلاميون أخذنا لها باسم الدين، والأديان السماوية بعيدة كل البعد عن مثل هذه الأفعال، لهذا على كافة المؤسسات الحكومية والأهلية والشخصيات وعلى رأسهم «المثقف» ألا يكتفوا بالتنديد؛ بل عليهم تعزيز الوصول إلى الثقافة والتراث والمشاركة فيها، فهي حق من حقوق الإنسان. يجب أن تكون الحقوق الثقافية جزءا لا يتجزأ من استراتيجيات النضال ومواجهة الأفكار الشعبوية.

يمكن للثقافة والإبداع المساعدة في مواجهة الإقصاء والتشريد من خلال التركيز على القيمة، والتنوع والحق في المشاركة. لهذا تسمح الثقافة والفنون لمن لا صوت لهم بذلك يعبرون عن أنفسهم، وهنا يأتي الحوار بين الثقافات كوسيلة لتثمين الاختلافات الثقافية وبالتالي للتغلب عليها حتى في داخل المجتمع الواحد.

أعتقد بأن على وزارة الثقافة أن تأخذ دورها الريادي في أقرب وقت ممكن في إدارة الحوار الثقافي لتعزيز الهوية الوطنية والثقافية من خلال الحوار المبني حول الممارسات الثقافية بحيث تكون وسيلة فعالة لجلب المجتمعات والمجموعات الدينية المختلفة معا وتجد أرضية مشتركة دون الوقوع في شباك الرجعية والتخلف والانحطاط الفكري.

في سياق يتزايد فيه تضرر التراث الثقافي الفلسطيني من جراء الهجوم الاحتلالي، يجب مشاركة وإشراك جميع مكونات المجتمع الفلسطيني من أجل حماية الثقافة والمساهمة في زيادة الوعي. ما يعزز القدرة على الصمود في وجه تأثيرات التطرف الاستعماري أو/و الظلامي.