وكالات - رامي مهداوي - النجاح الإخباري - أود أن أعترف بأنني لا أفضل متابعة المسلسلات العربية، لأن القصة دائماً تكون واحدة مستنسخة بأشكال متشابهة، وتكرر ذاتها بذاتها، ولا تقدم فائدة ملموسة للمشاهد، وقد تؤدي الى انعكاسات سلبية اجتماعية داخل المنزل اذا ما كان هناك إدمان للمتابعة وتقمُص بعض التصرفات والعادات السلبية.
مصادفةً وجدتُ نفسي أتابع مسلسلاً، من أجمل المسلسلات العربية، التركية، الأوروبية، الأميركية، مسلسل لم ولن ينتهي على الرغم من انتهاء حلقاته، ستجد المسلسل مستمراً معك في العمل، المنزل، الحارة، البلد، المسجد أو الكنيسة، النادي، مع الأصدقاء والعائلة، والأهم ستجده في أعماق ذاتك، مسلسل باختصار صالح لكل زمان ومكان، بسيط عميق، يجمع المتناقضات: الحب والكره، الإيمان والكفر، الحرب والسلام، الخير والشر. بين المتناقضات يصنع الإنسان عالمه الخاص، ويفكر به على طريقته هو ليتم ولادة الصراع بأشكاله المختلفة.
مسلسل «جزيرة غمام»، إنتاج شركة سينرجي، وتأليف عبد الرحيم كمال، وإخراج حسين المنباوي، ومدير التصوير إسلام عبد السميع وتصميم الأزياء الدكتورة سامية عبد العزيز والموسيقي التصويرية شادي مؤنس وبطولة طارق لطفي، مي عز الدين، فتحي عبد الوهاب، أحمد أمين، رياض الخولي، محمد جمعة، هبة عبد الغني، هاجر الشرنوبي، ميار الغيطي، دينا أحمد وعدد آخر من الفنانين، وظهور خاص للفنان عبد العزيز مخيون ووفاء عامر.
يمكن القول إن مسلسل «جزيرة غمام» نجح في قراءة واقعنا العربي البائس المنقسم على ذاته، وترجمة علاقة البشر ببعضهم وبالدين وبالتديُن الكاذب لدى البعض من أجل تحقيق مصالح خاصة، نجح المسلسل في تسليط الضوء على أسباب الفتن والانهيار والانقسام، وللعناصر التي تجعل أي مجتمع في مهب الرياح والزوابع.
لهذا اعتبر البعض أن المسلسل يتحدث عن القضية الفلسطينية!! ربما لكن هذا المسلسل تحدث عن الكل العربي والإسلامي بخارطته الممزقة والمتهالكة بالشكل القُطري في داخل الوطن الواحد، وبين الأقطار فيما بينها، بالتالي أدخل مفاهيم بالرموز والدلالات حول التطبيع والخيانة، ويعبِر عن تجارب آنية واستشرافية.
في نص السيناريو ستكتشف الصراع بين رجال السلطة والدين والمال، فظهر الصراع بين الخير والشر في شكل رمزي دائم لا يتوقف مع مرور الزمن، بدمجها واشتباكها مع عدد من القضايا والموضوعات الإنسانية الفردية أو/و المجتمعية المهمة، ليفاجِئَنا الخيال بأننا نعيش الواقع بجميع تفاصيل مكونات عصرنا في الوقت الآني؛ ما جعل المسلسل يحمل قراءات متعددة، أهم قراءة فيه حسب وجهة نظري؛ على الرغم أن وقائعه تدور خلال بدايات القرن الماضي، فإن كل شيء في المسلسل يؤكد أنه يتحدث عن واقع ما زلنا نعيشه يوماً بيوم.
في النهاية اسمحوا لي أن أشاركم هذه الأبيات الشعرية التي تعلمتها من المسلسل في إحدى حلقاته لـ «القروي»:
هبَّتِ الريحُ فملاحٌ شكى *** عندَ مجراها وملاحٌ شكَر
ليس في الريح ولا في البحرِ بل *** في هوى الأنفُسِ ما ساءَ وسَرّ
سفنُ الأعمار إذ تجري بنا *** ليس في قاموسِها خيرٌ وشَر
تلفظُ الحكمَ أنانيتُنا ***  ثم تعزوهُ الى حُكمِ القدَر