أشرف العجرمي - النجاح الإخباري - من يراقب المشهد الفلسطيني الداخلي يستطيع أن يرى بوضوح أننا أصبحنا في حالة من الفوضى، ولا نتحدث هنا عن الفوضى المسلحة التي سادت في المرحلة الأخيرة من الانتفاضة الثانية وإن كنا لسنا بعيدين عنها، بل عن فوضى المرجعيات والأجندات التي تتزاحم على الساحة الفلسطينية.
وهذا واقع خطير قد يجرّنا إلى فوضى شاملة وفقدان بوصلة تام، إذا لم نتدارك ونعمل بسرعة لتصويب الوضع العام من الناحية السياسية أولاً ومن النواحي الأمنية والاقتصادية - الاجتماعية وحتى الثقافية.
في الواقع، المرجعية الوحيدة التي يجمع عليها الشعب الفلسطيني هي منظمة التحرير الفلسطينية، وبرنامجها لا يزال يشكل برنامج الإجماع الوطني. حتى الفصائل التي تختلف مع قيادة المنظمة لا تزال ترى في المنظمة الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني وتريد الانضمام إليها وتغيير أو تعديل طريقة اتخاذ القرار. وتريد إجراء مراجعة لسياسة ومواقف المنظمة. وبالتالي لا أحد في الساحة يستطيع أن يدعي أن أي برنامج مخالف لبرنامج المنظمة يحظى بالشرعية ويشكل مرجعية للشعب الفلسطيني.
واليوم، لدينا منظمات وأفراد ومجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي ترى أن وظيفتها هي إصدار شهادات في الوطنية لمؤسسات وأفراد يختلفون مع هؤلاء أو يتفقون معهم، ويمارسون إرهاباً فكرياً على كل من يختلف معهم حتى لو بقي ملتزماً بالبرنامج الوطني.
وعلى سبيل المثال، يحدث أن تقوم هيئات بمهاجمة مؤسسات وأفراد بناء على معلومات خاطئة مستمدة من وشايات، واتهامهم بالتطبيع وتطالب بمقاطعتهم.
ونذكر هنا أن ما تقوم به حملة المقاطعة خارج فلسطين مهم للغاية ويزعج إسرائيل لأنها تركز على مقاطعة المستوطنات والمؤسسات الرسمية الإسرائيلية التي تساهم في عملية الاحتلال والقمع التي يتعرض لها الفلسطينيون.
وبالعودة إلى منظمة التحرير، فهي التي اتخذت قراراً واضحاً بالاتصال مع المجموعات الإسرائيلية المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني في العام 1977، وطورت الموقف في قرار القيادة في كانون الأول العام 2012، بإنشاء لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي.
وهي وحدها صاحبة القرار في استمرار أو وقف اللقاءات مع الإسرائيليين. ومن الخطأ الخلط بين التطبيع وبين المساهمة في تشكيل جبهة إسرائيلية ضد الاحتلال والممارسات القمعية الإسرائيلية. ونذكر هنا بمنظمات إسرائيلية يمينية متطرفة تهاجم وتدين كل منظمة أو فرد إسرائيلي يتحدث عن جرائم الاحتلال ويسعى للتوصل إلى حل ينهي الاحتلال ويساهم في قيام دولة فلسطينية بل هي تتهمهم بالخيانة والعمل لصالح العدو أي "الفلسطينيين"، وترفض أي نشاط إسرائيلي - فلسطيني قائم على إنهاء الاحتلال والتصدي لجرائمه.
نحن فرحنا كثيراً عندما أصدرت منظمة العفو الدولية تقريراً في الفاتح من هذا الشهر يصف ممارسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين بأنها نظام فصل عنصري تحت عنوان "نظام الفصل العنصري (أبارتهايد) الإسرائيلي ضد الفلسطينيين: نظامٌ قاسٍ يقوم على الهيمنة وجريمة ضد الإنسانية".
ولكنّ الذي لا يعرفه الكثيرون أن منظمة "بيتسيلم" الإسرائيلية نشرت تقريراً مماثلاً في 12 كانون الأول العام 2021، تحت عنوان "نظام تفوق يهودي من النهر إلى البحر.. إنه أبارتهايد".
كما أصدرت المجموعة الإسرائيلية "PWG" تقريراً حول "الأبارتهايد" الإسرائيلي. وربما لا يعرف الكثيرون أن شهادات الجنود والضباط الإسرائيليين التي تجمعها وتنشرها منظمة "كاسرو الصمت" هي من أهم الأدلة على جرائم الاحتلال. وأن المعلومات الدقيقة والموثوقة التي تكشف كل تفاصيل الاستيطان الإسرائيلي بالخرائط والوثائق توفرها منظمة "السلام الآن".
وقد لا يعلم المواطنون أن المتضامنين الإسرائيليين والأجانب وبعض الفلسطينيين يتظاهرون أسبوعياً كل يوم جمعة في الشيخ جراح ضد إخلاء البيوت الفلسطينية منذ سنوات طويلة. وكذلك يقوم متضامنون آخرون بنفس العمل ضد الاستيطان ومصادرة الأراضي في نعلين وبلعين والنبي صالح وأخيراً في بورين في حملة تشجير الأرض لمنع مصادرتها حيث تعرض عشرة إسرائيليين لاعتداء المستوطنين وأصيبوا بجروح وكسور وحرقت سيارتهم. وخلقوا حالة من الشرخ وتصاعد الهجوم على إرهاب المستوطنين. وهذه فقط نماذج وليس كل شيء.
لا يمكن لنا أن نتجاهل من يتضامن معنا ويقف ضد الاحتلال ويتعرض للتشهير والأذى داخل إسرائيل تحت فزاعة "التطبيع"، فهؤلاء وجودهم مهم ويجب العمل معهم وتقويتهم لأنه دون حدوث تغيير في الرأي العام الإسرائيلي لا يمكن أن ينتهي الاحتلال، كما حصل في نماذج احتلالات كثيرة من الجزائر حتى فيتنام.
والتغيير في الرأي العام يجب أن يبنى على نضال شعبي واسع على الأرض وشراكة مع الإسرائيليين الذين يتفقون معنا على حصولنا على حقنا في الحرية والاستقلال.
وعلينا أن ننظر إلى واقعنا المأساوي الذي أضحت فيه أماني وأحلام جزء كبير من شبابنا إما الهجرة أو العمل في إسرائيل. ولنتذكر أن المشروع الصهيوني قائم على مبدأ السيطرة على الأرض وتهجير السكان، فالسيطرة على الأرض وتهويدها يجريان على قدم وساق، أما هجرة شبابنا فنحن نتحمل مسؤوليتها بصورة كبيرة. والشعارات الكبيرة والطنانة لا تفشل مشروع الاحتلال بل العمل الجاد المبني على أساس واقعي يستجيب لمتطلبات المرحلة ويعمل على تغيير موازين القوى بصورة تدريجية متواصلة ومثابرة.
والأساس في كل ذلك والركيزة الجوهرية في المشروع الوطني هي صمود المواطنين وبقاؤهم على أرض الوطن.