نابلس - النجاح الإخباري - إذا كان عاديا وطبيعيا ان يكون حضور أي إنسان مميز في ذكرى يوم مولده وذكرى يوم وفاته فإن غسان دائم الحضور، في كل الأيام والمناسبات، وفي الوطنية منها بشكل خاص.
عندما كان على قيد الحياة كان بمقدور غسان ان يقرر، وهو لا يزال في بداية مرحلة وعيه، إلغاء الاحتفال بعيد ميلاده كما يفعل كل الناس. قرر ذلك عندما وصل الى الوعي بأن تاريخ يوم ميلاده يصادف ذكرى مجزرة دير ياسين، وقد التزم بذلك فعلا في كل سنوات عمره اللاحقة.
أما ذكرى استشهاده فالقرار ظل بيد الناس، وهم الذين قرروا وقررت هيئاتهم العامة ان نستحضره في كل عام، بأكثر من شكل وطريقه وكلها تلتقي على استحضار مسيرة غسان وقيمه وإنجازاته وإبداعاته، ثم دروس ودلالات عملية استشهاده ومعانيها.
غسان دائم الحضور، يفرض نفسه ويفرض حضوره عبر إنتاجه الأدبي الغزير والنوعي، وعبر مسيرته الصحافية وإنتاجها المميز والملتزم بقضايا الوطن وقضايا أهل الوطن وعبر حضوره الأدبي النوعي المنتشر بثقة، وعبر إنتاجه الفني المتميز والمعبأ حتى آخره بالفلسطينيات.
وكل حضور لغسان في كل مجالاته الإبداعية: نوعي ومميز، إضافة الى بعد التزامه الوطني الذكي والعميق.
ولا شك ان عملية استشهاده بخصوصيتها ودمويتها ودلالاتها جاءت لتزيد من تأكيد حضور غسان ومن تجذره في عمق الشخصية الجمعية الفلسطينية والعربية، الشعبية والوطنية.
لا يكون هناك حضور لغسان إلا بكل سجاياه الشخصية، ومع كل إبداعاته في الأدب والصحافة والفن/ الرسم وبشمولية انتمائه الوطني بكامل عمقه واتساعه.
وثلاثتها: السجايا والإبداعات والانتماء الوطني لا تحضر إلا في اندماج وتناغم مع سجايا ومقومات شخصيته الإنسانية أولا، ثم مع قيمه الأرقى منذ ان خلق الله الإنسان وخلق معه القيم، وإلا بانسجام تام مع روح الوطنية المتشربة في كل تفاصيل سجاياه وأخلاقه وإبداعاته وأفكاره وأعماله ومواقفه وعلاقاته.
بالمختصر والإجمال فإن شخصية غسان تشكل نموذجا من أرقى النماذج الدالة على درجة التكامل وعمق الانسجام بين القدرات الإبداعية على تنوعها والسجايا الخلقية الأرقى، وبين الانتماء الوطني الأعمق والأكثر شمولا.
ان شخصية غسان تقوم على ركائز وأعمدة متعددة ومتنوعة كما تمت الإشارة، ويبقى هناك عمودان يتلازمان ويتكاملان ويتناغمان تماما ليشكلا الركيزتين والأساسين الأهم التي تقوم عليهما شخصية غسان الجمعية:
العمود الأول، هو عمود الوطنية الفلسطينية - ويمكن ان نضيف «النضالية» - إذا ما فهمنا «النضالية» وتعاملنا معها بمعناها الأشمل والأوسع.
والعمود الثاني، هو عمود الأخلاق بأوسع مجالاتها ودلالاتها ومعانيها وترجماتها.
ولا يمكن الحديث عن غسان دون استحضار قدرته المتميزة ان يكون رأس عمل ناجح بل مبدع يقيم مع من يتعاونون معه ويترأسهم أعلى درجة من الانسجام والتفاهم الإنساني ثم العملي، بما يشجعهم على إعطاء أفضل ما لديهم للعمل وضرورات إنجاحه.
وبما يغني في نفس الوقت، قدراتهم وخبراتهم وتجاربهم بتشجيع منه وإشراف يصل حد التوجيه والتعليم دونما أستذة او تعال او تقريع.
ونتج عن أسلوبه هذا أن العديد ممن عملوا معه أصبحوا أسماء معروفة ومطلوبة في مجالهم. وكلهم يعلنون عن فضل غسان ويجاهرون به مقرونا بالامتنان.
ولا يمكن الحديث عن غسان دون التطرق الى قدرته الاستثنائية وشديدة الذكاء في التعامل مع وسائل الإعلام الأجنبية وصحافييها ومراسليها في شرح القضية الوطنية الفلسطينية والنضال الوطني وأهدافه. وأيضا، في الدفاع والصد للافتراءات والتهجمات المقصودة من قبل دول وقوى سياسية معادية ووسائل إعلامها.
وهذا ما جعل من مجلة الهدف مقصدا أساسيا في برامج زيارات ولقاءات وسائل الإعلام الدولية.
وأما عن قيام دولة الاحتلال الصهيوني باغتيال غسان في عملية إجرامية نوعية فإنها تؤكد رعبها من «الكلمة» ومن السردية الحقيقية لاحتلالها ولنضال الشعب الفلسطيني المتواصل لدحر هذا الاحتلال وإنهائه. تماما كما هي مرعوبة، الآن، من المقاومة الشعبية في القدس وكل أماكن التواجد الفلسطيني سواء في الدفاع عن الأقصى وبقية المقدسات، أوفي كافة أشكال التشبث بالأرض ومقاومة الطرد والتهجير كما يحصل في أحياء القدس مثل الشيخ جراح وسلوان وغيرهما.
وكما يحصل في مواجهة النضال الوطني الشامل المتواصل لكل الشعب الفلسطيني بكل الأشكال والوسائل لقهر الاحتلال وإنهائه، ومعه سرديته الاحتلالية العنصرية.