جميل عبد النبي - النجاح الإخباري - قبل ثلاث سنوات من الآن توجهت الجماهير الفلسطينية في قطاع غزة باتجاه السلك الفاصل بين غزة والأراضي المحتلة عام 48، كانت مجموعة من الناشطين المستقلين قبل هذا التاريخ بأشهر قد بدأت التنظير لفكرة الزحف السلمي باتجاه حدود أراضينا المحتلة، وعقدت لقاءات عديدة للتفكير، والتشاور حول جدوى هذا الزحف، والوسائل الداعمة له، وسبل الحفاظ على سلميته، تُوّجت هذه اللقاءات بلقاء موسع يوم 28/3/2018 التقت فيه نخبة واسعة من الناشطين، والمثقفين، والمؤمنين والمعارضين للفكرة في مركز حيدر عبد الشافي" قاعة الهلال الأحمر" وتم التأكيد من خلال المنظمين الأوائل على الخطوط العريضة لفكرة الزحف السلمي، وكانت على النحو التالي:

1. أن نسعى لأن يشارك في هذا الزحف كل اللاجئين في المناطق الخمس الرئيسية" غزة، والضفة، ولبنان، وسوريا، والأردن".

2. العمل على تجنيد أكبر قدر ممكن من ناشطي السلام الدوليين.

3. الالتزام الكامل بالوسائل السلمية، والابتعاد عن أي شكل يمكن لإسرائيل تسويقه على أنه من الوسائل العنفية.

4. أن يتحول النضال من أجل العودة من فعل فصائلي إلى فعل شعبي، يجد فيه كل مواطن مكاناً للمشاركة، والنضال.

5. المساهمة في دحض الرواية الصهيونية، ومحاولة إعادة رسم وتسويق المشهد الحقيقي للصراع، حيث هناك شعب أعزل" الفلسطينيون" يطالب بالعودة السلمية الآمنة، وهناك دولة فصل عنصري، تواجه العزل بآلة حربية فتاكة.

في موازاة لقاءات المستقلين كانت حماس وآخرون قد التقطوا الفكرة، واعتلوها، وراحوا بدورهم في اتجاه إجراءات أكثر سرعة، وقوة، كون حماس، ومعها بعض الفصائل الفلسطينية تمتلك قدرات لا يمتلكها المستقلون، لكنها ليست في ذات اتجاه الفكرة الأساسية، فقد اكتفت حماس بإطلاق النشاط في غزة فقط، وأضافت- مع من معها- هدفا آخر غير العودة وهو" كسر الحصار" تبين فيما بعد أنه أقصى ما تريده حماس، أما شعارات العودة التي أبقتها حماس إلى جانب كسر الحصار فليست إلا عنوانا جاذبا يمكن أن يجذب المشاركين، ثم تم استخدام وسائل تمت تسميتها بأنها خشنة، وتم الزج بالناس إلى مسافة الصفر من السلك الفاصل، ومن اليوم الأول أسفرت الأحداث عن عشرات الشهداء، تم إبراز صور لهم من قبل حماس وآخرين ببزات عسكرية، ما ساعد إسرائيل على تسويق فكرة أن هذه المسيرات ليست سلمية، وأن قوى لا تؤمن بالنشاط السلمي تقف خلفها..!

كانت لحماس غايات لا تخطئها العين من اعتلائها للمسيرات، كانت حماس تراقب حالة الغليان الداخلي التي تكاد تنفجر في وجهها جراء البطالة، والفقر، وانعدام المستقبل أمام فئة الشباب تحديداً، فوجدت في فكرة المسيرات مخرجا توجه من خلاله غضب هؤلاء الشباب باتجاه السلك الفاصل، بدلاً من الانفجار في وجهها، ولقد قيل ذلك علناً من قبل بعض القيادات الحمساوية.

من جهة ثانية كانت المقاومة التي تجعل منها حماس عنوانا تبرر بواسطتها عجزها المزمن عن حل أي مشكلة اقتصادية، أو حياتية، كانت هذه المقاومة قد وصلت إلى نقطة متقدمة في تثبيت حالة الهدوء مقابل الهدوء، الذي تروج لها حماس على أنها قواعد اشتباك جديدة، لكنها في كل الأحوال تعني تجميدا كليا لأي عمل مقاوم مبادر، وكان هذا محرجا لحركة قالت إنها لا تؤمن إلا بالمقاومة، فجاءت المسيرات على الشكل الذي فعلته حماس، وتحكمت به لملء فراغ تعرف حماس أن ثمن العودة إليه باهظ على مستوى وجودها كسلطة متنفذة في غزة.

في المحصلة إلى أين وصلت المسيرات؟

- انتهى شعار العودة، ولم تعد فكرة العودة مطروحة على أجندة المسيرات.

- تحولت المسيرات إلى أداة ضغط للحصول على فتات الداعم القطري، والذي لا يرقى لمستوى ما كانت السلطة قد حققته قبل سيطرة حماس على غزة، ووصفته حماس بالتنازل، وقادت حربها مع السلطة تحت عنوان رفضه، على أمل تحرير كل الأرض..!

- لم تعد المشاركة شعبية، إنما فصائلية، وذات عناوين لم تكن في حسبان المفكرين الأوائل لفكرة الزحف السلمي، كوحدة الكوشوك، والإرباك الليلي.

- انتهت عملية فكرة المسيرات دون أن تحقق أي هدف سياسي، ودون أن تجعل من قضية العودة هماً وطنياً، أو عالمياً.

الخلاصة:

ما كان للفصائل التي تعلن أن خيارها الأوحد هو المقاومة المسلحة أن تقفز إلى واجهة أنشطة سلمية تسعى لإعادة تصوير مشهد الصراع مع إسرائيل، وما كان بجب إقحام أي فعل شبه خشن من شأنه أن يرفع ثمن هذا النشاط، الذي كان مقدرا له أن يستمر لفترة أطول، ويتحول إلى ضاغط نفسي، وأخلاقي على الضمير العالمي، لو لم يرتفع الثمن الذي ندفعه من أرواح، وسيقان أبنائنا.

اللاجئون ليسوا في غزة وحدها، والاكتفاء بالعمل في غزة لم تكن وجهته عودة اللاجئين منذ أن اعتلت حماس ومن معها فكرة مسيرات العودة، إنما أهداف خاصة بحكم حماس في غزة، لم تستطع أيضاً تحقيقها.

انتهت المسيرات، وفشلت التجربة، وتم تهميش دور المستقلين والجماهير، وبقيت غزة على حالها، لا رُفع الحصار، ولا عاد اللاجئون.

 

نقلاعن الحياة الجديدة