نابلس - طلال عوكل - النجاح الإخباري - سنوات طويلة مرت، منذ أن أتاحت الأحداث والظروف في المنطقة لإيران لأن تصبح رقماً إقليمياً مهماً. الأصل في نشوء مثل هذا الوضع تعود أسبابه إلى السياسة الأميركية، التي خاضت حروبا وغزوات، على حدود إيران، في العراق وأفغانستان. وفي المنطقة عموماً، وادت السياسة الأميركية إلى إنعاش كل عوامل الصراع الطائفي والمذهبي، والاجتماعي والسياسي، بهدف تمزيق الدولة الوطنية في إطار استراتيجية إعادة بناء الشرق الأوسط، بما يضمن لها، وحليفتها إسرائيل، السيطرة على مقدرات هذه البلاد. والسيطرة على خطوط التجارة الدولية، والمنافذ الحيوية.
لا يريد البعض أن يعترف بهذه الحقيقة، ويحاول التعامل مع نتائجها. بالطريقة التي تخدم عملياً، تضخيم الدور الإقليمي لإسرائيل، وتمكينها من التوسع في الإقليم برمته. إن عمليات التطبيع التي شهدتها منطقة الخليج. ليس لها ما يبررها، سوى الخوف من الخطر الإيراني والبحث عن تحالفات إقليمية، ونقصد إسرائيل، من خلال المراهنة على سياسة إسرائيلية متطرفة تتسم بالمغامرة، لتأكيد استراتيجيتها التوسعية.
إذا جاز لإسرائيل أن تتفاخر بإنجازاتها الإقليمية، واستناداً إلى دعم أميركي لا محدود خلال سنوات ترامب الأربع، فإن قراءة المشهد العام في المنطقة يشير إلى أن إيران هي الأخطبوط الأوسع انتشارا ونفوذا.
تملك إيران نفوذا اجتماعيا وسياسيا وعسكريا عميقا، سواء عبر التواجد المباشر، أو عبر وكلاء في اليمن، ولبنان وسورية والعراق، وفلسطين، عدا نفوذها في البحرين وإمكانية تصعيد دورها ونفوذها في السعودية، على خلفية وجود طائفة شيعية شرق البلاد.
لقد استنزف هذا النفوذ، إمكانيات هائلة مالية وتسليحية، وسياسية والباب لا يزال مفتوحاً على المزيد، طالما بقيت المعالجات السياسية على ما هي عليه. كان بالإمكان استثمار المليارات التي يتم إهدارها دون طائل، وتتكبدها دول الخليج، أن تحدث تغيرات جذرية ومهمة سواء في تلك الدول، أو في الدول التي تشكل مسرحاً للصدامات الدموية.
منذ فوز بايدن، اختلت الكثير من المعالات، وبدا وكأن المنطقة على أبواب متغيرات، تختلف من حيث الآليات، والحسابات عن فترة ترامب. تؤكد الولايات المتحدة أنها ترفض استمرار الصراع الدموي المدمر في اليمن، وتعلن عن وقف تقديم السلاح، لأغراض استمرار هذا الصراع، وتؤكد أيضاً عزمها على العودة لاتفاق (خمسة زائد واحد) مع إيران.
الماكينة الأميركية بالكاد تبدأ خطواتها الأولى، لكن أسلحتها وأوراقها في مواجهة السياسة الإيرانية، ضعيفة ومحدودة، خصوصا بعد أن صمدت إيران أمام أقسى وأقصى العقوبات والضغوط الأميركية، وعجز القوى الدولية الأخرى بما في ذلك أوروبا عن حماية الاتفاق. الوقت يمر لصالح إيران عملياً، فهي رفعت مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 20% وتهدد برفع مستوى التخصيب إلى 60%، ما يقربها أكثر من أي وقت مضى لامتلاك قدرات نووية ما لم تسرع القوى الدولية في التوصل معها إلى تسوية.
الصراخ بدأ يرتفع من قبل إسرائيل، التي تخشى العودة للاتفاق وتخشى تطور القدرات الإيرانية في حال إطالة الوقت أمام العودة للاتفاق.
تتحدث إسرائيل عن خطر وجودي مهدد بما يمكن لإيران أن تمتلكه من قدرات عسكرية، ونووية، ما ينطوي على أبعاد، تاريخية عميقة، فهي دولة لا تستطيع الوفاء بالتزاماتها مع الدول التي وقعت معها اتفاقيات «سلام إبراهيم».
في إطار السجال الإيراني الإسرائيلي بشأن المسؤولية عن الهجوم الذي استهدف سفينة تدعي إسرائيل أنها مخصصة للشحن، في خليج عُمان، تعلن إيران على نحو مبالغ فيه بأنها يمكن أن تمسح إسرائيل من الوجود خلال نصف ساعة، إن هي تمادت في عدوانها.
في الواقع، الحرب قائمة ومستمرة، بين الدولتين، وبمبادرة من قبل إسرائيل التي لا تتوقف عن قصف مواقع إيرانية في سورية، ولا تتوقف عن قصف منشآت إيرانية واغتيال علماء وقادة.
إذ تنفي إيران مسؤوليتها عن الهجوم على السفينة الاسرائيلية، فإن ذلك لا يعني أنها غير مسؤولة، فهي كل الوقت تحاول اصطياد هدف اسرائيلي للرد على اغتيال العالم النووي زادة، لكن المسألة، تذهب إلى ما هو أبعد من الانتقام، فهي رسالة قوية من قبل إيران، بأن إسرائيل ليست حرة، في التواجد والتجول في مياه الخليج العربي، خصوصاً وان السفينة الاسرائيلية قد تكون مجرد محاولة استطلاع وفحص، إن مرت بسلام، فقد تتبعها سفن ذات طبيعة حربية.
ومن الواضح أن ذهاب إسرائيل إلى مجلس الأمن الدولي للشكوى على إيران بشأن السفينة، لن يؤدي إلى شيء، ولكن ربما يشكل مقدمة وذريعة لقيام إسرائيل بارتكاب عمل حربي ضد إيران.
وعملياً، لم تتوقف إسرائيل عن التهديد بالتصرف على نحو منفرد ضد إيران، طالما أن القوى الدولية تتجه نحو إحياء اتفاق (خمسة زائد واحد) الذي ترفضه إسرائيل، وربما كان ذلك من اجل الضغط على تلك القوى لتصعيد شروطها ضد إيران.
في وجه الجميع القت إيران بقنبلة من العيار الثقيل، حين أعلنت أن إسرائيل تقوم بتوسعة وتحديث مفاعل «ديمونة»، وكأنها تريد أن تضع القدرات النووية الاسرائيلية على طاولة البحث بموازاة طرح البرنامج النووي الإيراني. وفي الحد الأدنى، فإنها تريد أن تكشف ازدواجية السياسات الأميركية والأوروبية، التي تلاحق مساعي إيران لامتلاك قدرات نووية تقول إن ذلك لأغراض مدنية بينما تتجاهل إسرائيل التي تملك قدرات نووية حربية.
لا يمكن لمثل هذا السجال أن يصل إلى شيء سوى المزيد من استنزاف قدرات العرب، الذين عليهم أن يستثمروا ذلك، في دعم حلول سياسية واجتماعية في الدول التي تشكل مسرحاً للصراع والاستقطاب.
وأولاً وأخيراً، لا يمكن حماية الأمن القومي العربي، إلا بسواعد العرب وإعادة صياغة السياسات العربية، بما يضع الولايات المتحدة وإسرائيل في الموقع المعادي، الذي تستحقانه، ثم خوض حوار مع دول الجوار.