نبيل عمرو - النجاح الإخباري - حتى حين كان المغفور له ياسر عرفات في أوج صحته وعطائه، كان حديث الخلافة متداولا، وكان دائما ينطوي على اثارة.

مقاولو الأسماء غالبا اما من كتاب الاعمدة الإسرائيليين او الاوربيين او الأمريكيين، اما الفلسطينيون فكانوا مقلين في الحديث عن هذا الامر اذ لا لزوم له ما دام الرئيس عرفات يواصل وضعه كمالئ للدنيا وشاغل للناس.

ورغم سطوة التراتبية العائلية في فتح واستحالة ان يكون خليفة عرفات من خارج النادي التاريخي الذي لم يبق منه على قيد الحياة سوى القدومي وعباس، الا ان أسماء كثيرة ظلت قيد التداول بعضها من نحوم المرحلة الجديدة وبعضها الاخر من النجوم المستجدة للاسلام السياسي.

وعندما وجد القوم انفسهم امام الحقيقة التي كانت صعبة التخيل ، وهي غياب عرفات بالموت، تلاشت كل الأسماء واستقر اسم محمود عباس كمرشح وحيد لخلافة عرفات، ولقد حصل الرجل على اجماع موضوعي بتصويت جاوز الستين بالمئة وبصمت الباقين الذين لم يقدموا منافسا جديا.

في كل الاستطلاعات والمداولات لم يغب اسم مروان البرغوثي عن قائمة الخلفاء المحتملين لعباس، وكان يتقدم جميع المرشحين، وبفعل المؤبدات التي حصل عليها ازدادت شهرته وصار ضرورة من ضرورات فتح، بل وبات صعبا على الحركة الكبرى ان تتجاوزه سواء في المؤتمرات الداخلية التي توجته عضوا في لجنتها المركزية، او الانتخابات العامة التي قاد فيها قائمة فتح التي أحرزت تعادلا في الأصوات مع قائمة حماس التي فاز مرشحوها في الدوائر آنذاك فوزا كاسحا.

انتهت حقبة الخلافة التي اقترنت باسم مروان لتبدأ حقبة المناسفة التي كانت مغلقة على عباس، وكان للدكتور محمد اشتية الفضل دون ان يقصد ربما ان يطلق سباقا في غير وقته على موقع الرئيس، حين اعلن ان عباس هو المرشح الوحيد لفتح ما حمل انصار مروان على الإفصاح صراحة بأن لا مرشحا وحيدا لفتح وان مروان سيخوض المنافسة حتى لو ترشح عباس.

اذا يجري تداول مروان كمنافس وليس كمجرد خليفة محتمل وهنالك فرق كبير ببين الحالتين.

الحلقة المفقودة في الحكاية كلها ان المعنيين الأساسيين لم يفصحا شخصيا ورسميا ومباشرة عن رغبتهما في الترشح، فلا أبو مازن حسم امره ولا أبو القسام اصدر بيانا ممهورا بخاتمه بهذا الخصوص.

الرصيد المعنوي الذي راكمه مروان كمانديلا فلسطين والذي غنى له وديع الصافي لابد وان يختلف حين يتقدم للمنافسة امام عباس الذي له ما له في فتح، ومروان الذكي اكثر من يعرف ذلك ولابد وان يتصرف على هذا الأساس.

رمال الحالة الفلسطينية المتحركة تجعل من الصعب قراءة الصورة المستقبلية وخصوصا على صعيد تركيبة المجلس التشريعي القادم فلا شيء محسوم سلفا ما دام صندوق الاقتراع في كل الحالات من يقرر ويضع النقطة الأخيرة في نهاية السطر، ونتائج التشريعي تحمل مؤشرا لا بأس به على احتمالات الرئاسة.

فتح ستدخل الانتخابات بحلقاتها الثلاث وهي في وضع مختلف عن الانتخابات الأولى والثانية وبدأت تتسلل مقولات خافتة حول احتمال تأجيلها او الغائها، وتساؤلات أخرى حول من سيرأس قائمة فتح او القائمة التي تتبناها وهل هنالك قوائم أخرى ستشق طريقها الى المنافسة من فتح او من المحسوبين عليها...انه وقت التساؤلات الكثيرة والكبيرة ولا أجوبة يقينية عنها.

اشهر قليلة كل دقيقة فيها بعمر زمن ستكون اختبارا مفصليا لحركة فتح ومكانتها ومشروعها وتحالفاتها، فهل يهتدي القوم الى مخارج تحقق للحركة الكبرى رغبة أعضائها ومناصريها بفوز مستحق في الحلقات الثلاث للانتخابات القادمة، ام ان الغموض سيظل سيد التقديرات حتى اعلان النتائج.. وفي فتح كل شيء جائز.

فتح الرسمية تتحدث بإيجابية عن القائد الأسير مروان، وتشهر رغبتها في ان يكون على رأس قائمتها وان استنكف فداعما لها، غير ان ذات الرغبة لا يجري البوح بها في امر الرئاسة واقصى ما يقال وان بصورة فردية ان فتح لم تقرر بعد.

في فتح ظاهرة تنفرد بها عن كل التشكيلات السياسية في العالم وهي ان لا شأنا داخليا فيها، فكل ما لديها ينثر على الهواء مباشرة وكذلك فليس الا فتح من تذهب في صراعها الداخلي الى الحد الأقصى من الإدانة والتخوين، وحين تتوصل الى تسوية بين المتقاتلين ترى العناق الحار سيد الموقف، وبذات البلاغة يتحدث مصارعو الامس ساعة الاختلاف ليتحدثوا بلغة مغايرة ساعة الاتفاق.

وهذه فتح... هي هكذا في كل فصول مسيرتها المتعاقبة، الا ان ما كان مسيطرا عليه يبدو غير ذلك الان، بعد ان دخل الى المنازلة منافس يرى فرصته التاريخية في العبور الى ما يريد من خلال الممرات التي تفتحها له فتح دون وعي منها، فمن كان يصدق ان حماس ستفوز في 2006 بما هو افدح من فوز فتح في كل الانتخابات التي خاضتها سواء كانت نقابية او بلدية او تشريعية.

جرى حديث عن اتفاقات وتفاهمات، الا ان اسهل ما في امرها وخصوصا في مجال حماس و الرئاسة انه يمكن التنصل منها او التحايل عليها، واذا كان لحماس موهبة يُقَر بها فهي القدرة على التنصل وقتما تريد والتحايل عند اللزوم وهذا حال السياسة في كل زمان ومكان.