ريما كتانة نزال - النجاح الإخباري - بعد أكثر من خمسة عشر عاماً من الصراع، هدد فيها الانقسام السلم الأهلي والوجود الفلسطيني، تلوح في الأفق انفراجة نحو استعادة وحدة النظام السياسي ضمن عملية تبدأ بانتخابات المجلس التشريعي وتنتهي بانتخابات المجلس الوطني مروراً ببوابة الانتخابات الرئاسية.
إنها اللحظة المنتظرة منذ زمن، وربما تكون مختلفة عن سابقاتها أو لا تكررها، والتجارب ملك الشعب الفلسطيني، وملخصها أنكم فشلتم مرّات ومرّات، عندما وعدتم شعبكم بالعودة باتفاق يعالج أسباب الانقسام وخاب الظن، وعدتم من حيث انطلقتم واخترتم استمرار التشظي والانقسام، والمؤمن لا يُلْدغ من ذات الجحر مرتين.
وأحسب أن الموقف الشعبي العام لا يزال متشككاً في الخطوة المهمة التي تذهبون لاستكمالها، كما أن ردود فعله الأولية على تطور إستراتيجي في الاتجاه الصحيح قد استقبِل باللامبالاة والسلبية. وأنتم تعلمون عن هذا وتتوقعونه. لا غرار في أنها ردود فعل طبيعية لمجتمع يراقب بصمت المجريات على جبهة الانقسام كنتيجة لما جنته سياسة المصالح الفئوية، ووضعها فوق مصلحة المجتمع والناس ضمن السياق الفلسطيني والصراع التاريخي مع الاحتلال.
الموقف الشعبي غير مستهجن، لأنكم في كل محطة حوارية سابقة وإنْ انتهت باتفاق موقع ضمن بهرجة إعلامية باءت بالفشل.. وعدتم وعدنا معكم إلى نقطة الصفر لأنها افتقدت للإرادة والجدية الكاملة، ولأن أمر المصالحة كان ولا يزال يحتاج إلى تبادل التنازلات من أجل القضية.
في اجتماع القاهرة سنذكركم بعواقب العودة دون اتفاق على طيّ الصفحة المشؤومة. سنذكركم بمخاوف وتشاؤم المجتمع إزاء مخاطر العودة إلى نقطة الصفر، فحذار من التلاعب بالمجتمع ومشاعره، حذار من تداعيات العودة دون اتفاق على مآلات ما بعد الانتخابات ونتائجها لجهة الإقرار بها. من هنا لا بد من بحث القضايا المهمة ضمن المرحلة الحالية بانفتاح تام والوصول إلى تفاهمات جدية لا رجعة عنها. الفرصة متوفرة وليس من حقكم إضاعتها، هذه هي الخطوط الحمر التي قفزتم عنها مرات ومرات. فلا تعودوا دون تفاهمات.
سنذكركم بأن الانقسام قد أصاب جسم المجتمع بصدوع وندوب وكسور، وأدى الانقسام وما رافقه من اشتباك وتراشق إعلامي وتنابز بالألقاب السيئة، والمصطلحات الاستفزازية والاتهامات التكفيرية والتخوينية، إلى فقدان المجتمع لتوازنه بأبعد مما يتوقعه السياسيون، وتكونون مخطئين إن اعتقدتم أن الانتخابات وحدها ستوحد المجتمع تلقائياً على أولوياته. طيّ صفحة الانقسام لا يتبعه طيّه من سجلات الذاكرة..
لن ينطوي السجل قبل اعتذار صادق ومهيب يصدر من اجتماع القاهرة، نريد بياناً مختلفاً عن البيانات السابقة، ونريد الاعتذار عن الخوف الذي زرعه الانقسام. لقد ترك الانقسام من ضمن ما ترك الخوف من الفصائل وعليها، والخوف من السياسيين والتسييس، ومن التعصب الفئوي بديلاً عن الانتماء الفكري والسياسي، والخوف من التحالفات والاستقطابات والتنسيق. خفنا من تعطل أعمال التشريعي وخفنا من فكفكته، خفنا من المراسيم ومن القرارات بقوانين في حال صدورها وفي حال احتباسها، خفنا من الحكومات ومن استقالاتها وإقالاتها. خفنا من المؤتمرات والاجتماعات والمزيدات والمناقصات. خفنا من رام الله على غزة.. ومن غزة على رام الله. وخفنا من الدين وخفنا على الدين.
وأخيراً وليس آخراً، تأسيساً على تجارب سابقة، إزاء مخاطر حصول انتكاسة على ما تحقق، والسجل الفلسطيني حافل بالخيبات الانقسامية، منذ اتفاق مكة إلى الدوحة وموسكو والقاهرة وغزة وبين رام الله وبيروت، فإن إصدار مرسوم الانتخابات بمثابة أول الطريق الذي يجب أن يُسْتتبع بإجراءات وتفاهمات مُعلنة على الشعب بشفافية تامة، نحن مهجوسون بتجارب الماضي التي لا تزال معلوماته نضرة في الذاكرة، علاوة على تقديمه دروساً بليغة الدلالات، بأن الوحدة الوطنية إستراتيجية غير مسموح التفريط بها، دون أن نعتقد أن الوحدة تمنع التمايز والاختلاف البرامجي.
وليس آخراً، لا بد من أن يأخذ الاجتماع بالاعتبار أن الانقسام قد جعل الوطن ضيقاً على مقاس المشروع التحرري الفلسطيني، ومنع أيضاً الشعب من التنفس، بل أوشك على الاختناق مستبدلاً أحلامه بالكوابيس.
وكل ما تقدم لأنتهي إلى الجملة الأخيرة: عودوا بالتوافق أو لا تعودوا!
 

نقلا عن الأيام