عبد المجيد سويلم - النجاح الإخباري - لا يفترض بواحدٍ مثلي، غير مختص ولا طبيب، ولا عالم أو خبير أن يتصدى لعنوان كهذا أبداً.
لكن ما يدفعني إلى هذه «المهمة» الثقيلة والصعبة هو السيل المتواصل من الآراء والأفكار والفيديوهات التي «تحلف» أغلظ الأيمان بأن هذه مؤامرة، وخطر محدق، وعملية مدبرة، تشترك فيها «نخب عالمية»، للتحكم بالبشرية، والعبث بأجسادها وأرواحها، والتحكم بثرواتها والسيطرة على كل حركة لها.
يشترك في هذا السيل بعض الأطباء ومن ذوي الاختصاص، ويشترك بصورة واسعة نشطاء اجتماعيون و»سياسيون»، وطبعاً يشارك بفعالية عالية ومنقطعة النظير أصحاب مواقف أصولية وأيديولوجية مغلقة من كل الأنواع، ومن كل الديانات، ومن مختلف الأعراق والأمم والشعوب.
كل ما سأحاول توضيحه هو تهاوي منطقة الإثارة والتهويل، وتداعي كل منهج لا يقوم باستخدام العلم ومنطق العلم في التفكير ليس أكثر ولكن ليس أقل أبداً.
فهل يُعقل، وكيف لنا أن نقبل نظرية «النخبة الدولية» والتحكم بالبشر إذا كان كل القائمين على محاربة الفيروس واخطاره هم أصلاً على أطراف تناقضات وتضادات هائلة، لجهة المصالح والتوجهات والأفكار والخلفيات السياسية والفكرية، والأهواء والقناعات، إضافة طبعا وأولا وعاشرا المصالح الاقتصادية؟!
وكيف يمكن ولأي سبب منطقي تنبري كل دول العالم للتصدي لهذا الوباء، وتقوم اليوم بمحاولات حثيثة للحصول على المطاعيم التي تقاوم هذا الوباء أملاً في الحد من أخطاره، ورهاناً باتجاه التخلص منه والقضاء عليه؟
جاء الوقت وحان فعلاً لنلقي بكل هذه الأفكار الساذجة، و»الفطريات» البلهاء، والخرقاء إلى سلة المهملات.
وكل كلام عن «التحكم» بالشيفرات الوراثية للإنسان هو كلام فارغ لا أساس له من قريب أو بعيد، لا بالعلم ولا بالواقع.
لماذا؟
ببساطة، لأن الدول بدأت باستخدام اللقاح، وبدأت بالكوادر الطبية أولا وبالمسنين ما فوق الثمانين سنة، ثم ما فوق الخامسة والستين، ثم الناس الأكثر اختلاطاً بالناس مثل العاملين مع الجمهور الواسع، كالمعلمين في المدارس وأساتذة الجامعات وغيرهم، ثم الفئات الأخرى أو قبل ذلك الجيوش وأجهزة الأمن.
فهل تملك أي دولة في هذا العالم «ترف» البدء بتطعيم ترسانات الدفاع من صحة السكان في كل الدول والناس الأكثر تعرضاً للخطر فيها والتضحية بهم؟ وتعريضهم لأي أخطار من أي نوع كان؟
لا يمكن ولا يعقل، ومن المستحيل أن يتم شيء من هذا القبيل إلا إذا كانت كل دول العالم بلهاء وخرقاء، وإلا إذا كان عباقرة العصر في هذا العالم هم فقط مروجو وموزعو الأفكار حول مؤامرة اللقاحات! فهل هذا معقول؟
دعوني بحكم ما حاولت أن أفهمه عن أمان اللقاح وآثاره الجانبية المباشرة والبعيدة وبحكم معرفتي بصورة أعتبرها مقبولة بعدة لغات عالمية أن أعرض نتائج قراءاتي في هذا المجال.
يوجد اليوم أكثر من أربعين محاولة علمية جادة لاكتشافات علمية رصينة لهذه اللقاحات.
حتى يومنا هذا تتوفر خمسة منها أصبحت جاهزة للاستخدام.
اثنان من هذه اللقاحات في الولايات المتحدة، تمت إجازتهما (فايزر وموديرنا) وثلاثة خارجها (لقاح صيني وآخر بريطاني والثالث روسي).
اللقاح الأميركي الأول بوشر به، وهناك مئات الآلاف في الولايات المتحدة أخذوه، وكذلك خارجها، وخلال أقل من شهر واحد من يومنا هذا سيكون عشرات الملايين من البشر قد تطعّموا به في مختلف دول العالم.
وخلال أسابيع فقط سيتم توزيع لقاح (موديرنا) في الولايات المتحدة وفي العالم أيضاً.
يقوم مبدأ اللقاح في الحالتين على الماسنجر لـ RNA للفيروس، وهو نفس المبدأ الذي تم بموجبه مقاومة فيروسات مثل فيروس الإيدز وأمراض أخرى مماثلة.
أما اللقاحات الثلاثة الأخرى فيقوم المبدأ بها على أساس الفيروس الضعيف، وهو نفس المبدأ الذي يحفّز المناعة في الجسم على التعرف إلى الفيروس وتجهيز الجسم لمقاومته والقضاء عليه.
وهو نفس المبدأ الذي قامت عليه كل اللقاحات التي نعرفها مثل الحصبة وما ماثلها.
حتى يومنا هذا لا توجد لقاحات تقوم على مبادئ ومناهج غير هذين المبدأين، وهما من الناحية العلمية آمنان تماماً، وليس فيهما أي جديد، لأن الأول عُمل به في لقاحات سابقة منذ أكثر من عشر سنوات والثاني منذ عشرات السنين.
كل الخرافات والتهويلات حول اللقاح من خارج هذا الفهم والمنطق، هي مجرد خرافات وأقاويل وإشاعات لا يوجد لها أي أساس علمي على الإطلاق.
ونسبة الفعالية تعتبر عالية جداً بالمقارنة مع المعدلات المعهودة للقاحات، وذلك لأن نسبة ستين أو سبعين بالمئة هي أصلاً نسبة ممتازة وعالية، فكيف سيكون الحكم على هذه اللقاحات جميعها طالما أنها وكلها تجاوزت التسعين بالمئة؟!
درجة الأمان عالية لأنه لم يثبت ولا حتى لحالة واحدة أن كان هناك أي آثار جانبية خاصة في المرحلة الثالثة (وهي الأهم) من تجارب اللقاحات الخمسة التي أعلن عنها حتى الآن.
كل «الآثار» الجانبية تراوحت بين ألم موضعي في مكان الحقن على الذراع، أو شعور بهبوط بسيط في اليوم الأول، وصداع خفيف، فقط لا غير.
علينا أن ندرك أن تسارع التطور العلمي على مستوى العالم قد جعل من فترة الأمان، والتي تتراوح بين عام وثلاثة أعوام في العادة تقصر هذه المدة من دون أخطار فعلية، وربما أن علينا أن ندرك أيضاً أن عامل الزمن هو عامل ضاغط ما ضاعف من الجهود العلمية بصورة خاصة.
نواقص كل اللقاحات حتى الآن أنها ليست فعالة بدرجة 100% لأن هوامش 5% أو 10% ليست قليلة مع أنها أكثر من ممتازة.
وليس هناك بعد أبحاث كافية حول الأطفال ما دون السادسة عشرة من العمر، ولا للحوامل، ولا لبعض الأمراض الخطيرة كأمراض الكبد والسرطان وخصوصاً في مرحلة العلاج الكيماوي أو النووي، ولا يوجد حتى الآن حسم علمي نهائي حول طول مدة المناعة بعد أخذ اللقاح.
وربما لن نعرف بسرعة إن كان اللقاح سيؤخذ بعد ذلك دورياً كل سنة أو كل عدة سنوات، ولا نعرف حتى الآن إن كان اللقاح سيكون فعالاً وآمناً بنفس الدرجة مع ظهور التحورات الجديدة للفيروس كما يتم الحديث عنها هذه الأيام.
كل هذه المعلومات أصبحت جزءاً من الثقافة العامة، وهي منشورة على نطاق واسع بكل لغات العالم، ويجدر بوزارة الصحة تعميمها كل يوم وفي كل وسائل الإعلام من دون كلل أو ملل مع التقدير الكامل لدورها وجهودها.

نقلا عن صحيفة الايام