عاطف أبو سيف - النجاح الإخباري - سيذهب العام بعد أيام، وسيظل التاريخ القريب يذكره بأنه عام الجائحة الأشد فتكاً بالبشرية طوال قرن من الزمن، كما سيحمل إشارات سياسية كثيرة وفق الذاكرة الخاصة بكل دولة. فلسطينياً هناك الكثير الذي سنتذكره في هذا العام، الكثير الذي لم يكن عابراً ولا يمكن التقليل من أهميته. لكن أيضاً الكثير الذي سيحمل كثيراً غيره في الأيام القادمة. وبشكل عام، فإن 2020 بعلامته التجارية الفارقة «عشرون عشرون» لن يغيب لسنوات عن الناس وسيظل يستعاد ببعض تفاصيله وصوره. مثلاً أعوام الإنفلونزا في نهايات العقد الثاني من القرن العشرين شهدت أحداثاً مماثلة، لكن لم يكن ثمة إعلام حديث وتصوير شخصي ومواقع تواصل اجتماعي وفيديوهات و»فيسبوك» و»يوتيوب» تجعل من تلك اللحظات الصعبة متعة تستعاد في مناسبات مختلفة.
وربما أن كل فرد على وجه الأرض ستكون له صورة خاصة يتذكرها من العام. إنها اللحظة التي انقلبت فيها حياته رأساً على عقب واضطر إلى تغيير برامجه وخططه، حتى البسيطة منها، واضطر إلى لبس الكمامة حتى يستطيع التخاطب والتواصل مع الآخرين. الصورة التي لن تغيب عن باله. وفي أغلب الأحيان، فإن الجميع قد خلّدوا تلك اللحظات بصور على هواتفهم وخزنوها في حافظات الذاكرة الإلكترونية أو في صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي. هذا التذكر الذي بقدر ما قد يجلب ألماً لكنه سيكون مدعاة للبحث عن الفرح في طرافة ما حدث من مواقف.
حتى إن حاولنا أن ننسى فثمة ذاكرة خبيثة لمواقع التواصل الاجتماعي ستقوم بفرض حالة التذكر علينا. تخيلوا أن «فيسبوك» سيقوم وضمن خاصية الذاكرة المستعادة بتذكيرك ببعض المواقف والصور التي قمت بوضعها على صفحتك الشخصية، ولكن تكون تلك الاستعادات بريئة، فثمة مراوغة مقصودة في كل عمليات التذكر. وسنتشارك مع الأصدقاء التفكير في كل تلك اللحظات، ونتبادل الطرائف ونضحك ونحن نفكر كيف يمكن للألم أن يكون ممتعاً بعد زمن، وكيف للحظات الصعبة أن تصبح مجرد نسائم تخفف من حدة الصيف ونحن نستدعيها على عجل. هكذا تبدو الأشياء وهكذا سننظر إليها بعد شهور. طبعاً ثمة ألم لن يزول. هناك من سيتذكر من رحل من الأحباب والأصحاب والجيران. ثمة قلوب فطرتها الجائحة وأدمتها رياحها العاتية، وثمة فرحة مفقودة أطاحت بها التفاصيل القاهرة لما جرى ويجري. لا أحد يعرف متي سيصبح كل هذا من استعادات الماضي أو من الأوراق القديمة، يوماً ما سيكون، لكن الثابت أن العام 2020 بات من الماضي وظلت أوجاعه حاضرة مع دخول العام الجديد عتبات البيوت. لم تزل الجائحة ولم ينته المصاب، رغم أن ثمة بشائر كثيرة تقول: إن الأشهر القادمة ستشهد نهاية كل ذلك. انتظار مؤلم وخسائر أكثر تنتظر على قارعة الطريق ولا شيء مؤكداً إلا أن ثمة عاماً مضى وعاماً وصلت عرباته.
هذا على المستوي الشخصي والفردي، أما سياسياً فإن العام 2020 حمل أيضاً الكثير من المصاعب والآلام. إنه عام التطبيع بامتياز. إن كنا سنتذكر العام 2020 بوصفه عام الجائحة أو عام «كورونا»، فإننا سياسياً سنتذكره بوصفه عام التطبيع. العام الذي تساقطت أوراق الشجرة العربية فيه بحديقة الأغيار. العام الذي تنافس البعض في أن يكون محامياً للشيطان ويقاتل من أجل أن يصبح مغتصب الأرض مواطناً صالحاً في المجتمع العربي. العام الذي سقطت فيه ورقة التوت عن عورات كثيرة. العام الذي سنظل نشعر بالخجل ونحن نرى نجمة داود تضيء أبراج العرب وعلم إسرائيل الذي يشير إلى التهام البلدان العربية يلمع على جدران بناياتهم. عام سنظل نشعر بالخجل ونحن نتذكره. لا جمال في القبح. وكل ما جري في السياسة العربية في العام 2020 قبح في قبح. قبح علينا أن نتحمله، وأن نتحمل طعنات ذوي القربي الشديدة، ونتألم بصمت لأننا الأوفياء للحالة العربية التي اغتالوها بتطبيعهم مع الاحتلال الذي يفكر كل يوم كيف يلتهمهم. أي نعاج تذهب ذليلة إلى بيت الذئب. وسيظل الآخرون يحتفلون ببهجة العام وبشائره التي حملت لهم اعترافات المهزومين بهم أبطالاً وتوقيع أيديهم. الآخرون سيتذكرون مباهج العام رغم «كورونا». فهو بالنسبة لهم عام خصيب مليء بالمفاجئات السعيدة والهدايا العزيزة. وسيكونون ممتنين للقدر لأنه جعل منه عاماً مختلفاً على كل الصعيد.
من جانب آخر سقط ترامب. رحل الرجل الذي خصص ولايته كاملة لعداء الشعب الفلسطيني. يمكن لك أن تظن أنه جاء للحكم من أجل أن يعتدي على حقوق الشعب الفلسطيني. لا يوجد رئيس أميركي وقف مع الحقوق الفلسطينية أو على الأقل وقف محايداً أو أقل من ذلك مارس أضعف الإيمان (بقلبه) حين يتعلق الأمر بفلسطين، ومع هذا فإن ترامب سخّر كل ما يملك وسخر سطوة واشنطن من أجل الإضرار بالمصالح الفلسطينية بشكل بشع. واستخدم كل الهدايا السياسية الممكنة من أجل إغراء العرب لتقبل يد إسرائيل. الرجل لم يعرف شيئاً إلا حماية مصالح إسرائيل والضغط من أجل ذلك.
على الأقل ثمة خبر سار في نهاية المطاف. فترامب سيرحل. سيذهب إلى غرفة الأطفال يشاغب قليلاً ثم سننسى أمره. صحيح أن السفارة لن ترجع إلى تل أبيب وصحيح أن من طبّع طبّع ومن ربّع ربّع كما تقول أمهاتنا، لكن على الأقل لن تكون ثمة «صفقة قرن» ومطرقة تضرب على رؤوس العرب تهددهم بضرورة لعق يد إسرائيل أو المزيد من العقوبات. ترامب سيصبح من الماضي وسيكون مبكراً الحكم على خلفه بايدن، لكن على الأقل سيكون من الصعب تخيل أن الرئيس الجديد سيكون أكثر فتكاً بحقوقنا من ترامب.
هل هناك من يسأل عن المصالحة؟ مرة أخرى نفس الحكاية للأسف.

نقلا صحية الايام