نابلس - ميساء أبو زيدان - النجاح الإخباري -  

تتعالى دوماً الأصوات المحلية عبر المواقع والمنابر والمناسبات المختلفة المُطالِبة بوجوب تحرير فلسطين من الإحتلال الإسرائيلي في مشهدٍ بات طبيعياً ملازماً لكافة المراحل النضالية التي يمر بها الشعب الفلسطيني جراء الإحتلال، والذي تكرر مؤخراً فور إعلان الرئيس (محمود عباس) وقف الإلتزام أحادي الجانب باتفاقيات السلام التي أُبرمت وبإشراف المجتمع الدولي مع الجانب الإسرائيلي المُتَنَصل أساساً منها، حيث انهالت مُجدداً تلك الأصوات مُشَكِكَةً بجدوى هذا الإعلان رغم أنها كانت بمعظَمِها هي ذات الأصوات التي طالبت بوقف التعامل وفق تلك الإتفاقيات بحجة أن هذا الإحتلال لا يمكن له أن يزول بالسياسة التي تتبعها القيادة الفلسطينية ويجب تجاوز كافة المحددات الخاصة بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي لإنجاز التحرير.

 

للوهلة الأولى يستشعر المتلقي لتلك الأصوات مدى خبرة ونخبوية مصدرها بل ومستوى الحرص العالي الذي توارى وراء تلك الكلمات الصادحة وطنيةً وفداءًا، ولكن ما أن توقف برهة حتى يصبح بمواجهة تساؤل كبير حول ماهية الحل وكيف من الممكن التعاطي مع الموقف وبما يخفف عن هذا الشعب عبء المآسي التي تنهال عليه منذ نكبته، بل إنه يجد نفسه مناصراً حد التوحد لهذا الصوت أو ذاك باحثاً عن حل للمعضلة الراهنة وبالتالي منقاداً بلا إرادة للموقف الرافض لتلك القرارات والتوجهات فهو مُثقل أساساً بكل أنواع الأعباء والهموم كفردٍ وُجد بلا قرار وسط هذا الحال كونه فلسطينيّ، وتتعاظم لديه الشكوك بالقدرة على الاستمرار وجدوى المُضي بالمواجهة مع هذا المُحتَل ! بهذا الشكل يكون وقع كلمات وأصوات الناعقين ليل نهار في الفضاء الفلسطيني لينسجموا بشكلٍ أو بآخر مع مجموع الحملات المستهدفة لثبات الفلسطينيين وإيمانهم بجدوى النضال فهكذا تدلل نتيجة هكذا فِعل.

 

يتنصل العديد الذي تفوق عن شعبه بمجموع الأوصاف التي منحها لنفسه باجتهاده مُنعزِلاً أو بحُكِم طبيعة المرحلة من المسؤولية التي وُجِب أن يتحملها إن كان هو الأحرص على الحق الفلسطيني كما تؤشر أصواتهم اللاعنة المُشككة، وإلا لوجدناهم منخرطين بالصفوف التي تتقدم باحثةً عن كل ما بإمكانه إسناد الشعب الأعزل إلا من إرادته الصلبة وإيمانه بحقه في أرضه وتقرير مصيره، بل لوجدنا أصحاب تلك الأصوات يدفعون هم وأسرهم وأبناءهم ولو نسبياً جزءًا من الأثمان التي يدفعها شعبهم، ولثوانٍ معدودة يُخيّل لنا أننا سنجدهم ولمستوى التطرف الكامن في لغتهم اللافظة لكل قرارٍ وطنيّ تُصدِره القيادة الفلسطينية يتقدمون الجماهير أمام نقاط التماس مع هذا العدو مواجهين جنوده عند حاجز (بيت إيل) أو متصدين لمستوطنيّ (أرئيل وكريات أربع) أو متصدين لممارسات البعض المُتَنَصل من هويته الوطنية في غزة والتي تستهدف كرامة الإنسان الفلسطيني وقضيته، لكن وفي حقيقة الأمر بات العجز مهنةً يقتات منها وعبر كلماتٍ ممجوجة بالهوان أولئك اللاعنون المشككِون الذي استطاعوا النيل ولحدٍ ما من وعي الجماهير عبر مِلئهم ذاك الفراغ المهول الذي أوجده غياب الفِعل الإعلامي القادر على صون ذاك الوعي مُقابِل جملة الاستهدافات التي تدور في هذا الفضاء المُستباح.

 

تناسى أصحاب تلك الأصوات النشاز متطلبات القراءة الموضوعية لواقع الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وكيف بإمكانهم إحالتها أهدافاً تُنجز في مضمار النضال والتصدي لمجموع السياسات المُوجهة للعمق الفلسطيني، وبحال أنهم لم يتناسوا ذلك وأمام مستوى التطرف في لغتهم إذ أننا أمام تطرفٍ من نوعٍ آخر سبق وأن أشار له الشهيد (صلاح خلف) حينما قال : " المتطرف إما أن يكون أهبلاً أو جاسوساً ..."، نعم إنه التطرف الذي ينال من تماسك الشعب الفلسطيني الذي يواجه صنوف القهر والظلم ومحاولات الإذلال إنه تطرف الكلمة والخطاب الذي يودي بالجماهير نحو الإنهزام وبالتالي التسليم، لوجدنا في مقالِهم تلك الكلمة التي تعزز من ثبات الفلسطيني ومقترحات الرؤى التي تضمن استمرارية المسار النضالي، لوجدنا اللغة التي تنادي بالفلسطيني أصالته للالتحام بقيادته التي تجابه بشاعة السياسات لا لغة التساوق مع الكل الذي انحرف عن مسار شعبه النضالي والتي تسعى لتأصيل اليأس لتلتقي في نهاية المطاف وتطلعات هذا الإحتلال.

باتت تلك الأصوات تحدٍ جسيم أمام المكونات الفلسطينية على اختلاف مجالاتها أو أدوارها في دائرة صنع القرار الفلسطيني، تلك الأصوات التي تبرز وكأنها تمتلك العصى السحرية لحل القضية بحيث تُصر على إظهار القيادة الفلسطينية بالمتخاذلة والمتنازلة عن مصالح وحقوق شعبها متجاهلة حجم التعقيدات التي تسيطر على المشهد الفلسطيني بل وتحيط به، ومتنكرة لتلك المقدرة التي يبديها الرئيس الفلسطيني حيث استطاع التصدي للمحاولات التي ترمي المرور عن القضية الفلسطينية من قبل كافة الأطراف المعنية بالصراع بل ها هو يفرضها القضية الأساس في المنطقة العربية عبر اتخاذه للقرار في الوقت المناسب إذ أن اتخاذ القرار مهم ولكن توقيت اتخاذه هو الأهم، الواقع الذي يستوجب على كافة المعنيين إعادة الاعتبار لكل الأطر المعنية بحماية الجبهة الفلسطينية فلا يجوز الاستمرار بذات الأدوات والسياسات إذ أن المواجهة باتت في مستوىً يتطلب ذلك.