يوسف مكي - النجاح الإخباري - في ظل العجز العربي عن صياغة استراتيجية عملية، لمواجهة النهج التوسعي العنصري الإسرائيلي، والانتصار لحق الفلسطينيين في تقرير المصير، أقر الكنيست الإسرائيلي قانون القومية الذي نص بوضوح على أن دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي. وفيها يمارس هذا الشعب حقه الطبيعي، والثقافي، والديني والتاريخي لتقرير المصير.

ونص القانون أيضاً، على أن القدس الموحدة هي عاصمة إسرائيل، وأن العبرية هي لغة الدولة. ومن باب ذر الرماد في العيون، أشار القانون إلى أن اللغة العربية لها مكانة خاصة في الدولة؛ وأن تنظيم استعمال اللغة العربية في المؤسسات الرسمية، أو في التوجه إليها يكون بموجب القانون. كما نص القانون على أن إسرائيل مفتوحة أمام جميع اليهود للم الشتات، وأنها تهتم بالمحافظة على سلامة أبناء الشعب اليهودي ومواطنيها، الذين تواجههم مشاكل بسبب كونهم يهوداً، أو مواطنين في الدولة. أما اليهود بالشتات فإن إسرائيل تعمل من أجل المحافظة على الميراث الثقافي والتاريخي والديني اليهودي لديهم، وتشجعهم على الهجرة إليها والاستيطان فيها، ذلك أن الاستيطان، كما نص القانون هو قيمة قومية، تشجعه الدولة، وتعمل على إقامته وتثبيته.

وجاء في القانون مواد أخرى، كاعتماد التقويم العبري، تقويماً رئيسياً للدولة، وإلى جانبه يكون التقويم الميلادي تقويماً رسمياً. وأن يوم الاستقلال هو العيد القومي الرسمي للدولة. ويشاطره في ذلك ذكرى سقوط جنود الاحتلال، الجنود الذين سقطوا في عدوان الاحتلال على الأمة العربية.

ورغم أن هذا القانون صدر مؤخراً، فإن ما ورد فيه هو في القلب من المشروع الصهيوني، منذ لحظة تأسيسه، وبروزه للعلن. فقد أكد على ذلك البيان الذي صدر عن المؤتمر الصهيوني الأول، الذي عقد في بازل بسويسرا، في 29 آب عام 1897. فقد أشار البيان إلى أن هدف الصهيونية هو إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، من خلال تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتنظيم اليهود، وربطهم بالحركة الصهيونية.

وكان وعد بلفور عام 1916 هو أول خطوة عملية على طريق تنفيذ هذا المشروع من خلال وعد وزير الخارجية البريطاني بلفور، لزعماء الصهاينة، بإعطائهم وطناً قومياً في فلسطين.

وما كان لهذه المشاريع، وما تلاها، أن تأخذ مكانها في التاريخ المعاصر، لولا العجز العربي، فمن خلال قراءة تطور المشروع، والتعبير الصريح والفاقع عن نهجه العنصري، ومقاربة ذلك بالواقع العربي، نلاحظ توازياً واضحاً بين ضعف النظام العربي الرسمي، وتضخم الصراعات العربية- العربية، وتخاذلها تجاه القضية الفلسطينية، وبين اندفاع الإسرائيليين لتحقيق أهدافهم التوسعية.

لقد دفع التخاذل العربي الرسمي تجاه القضية الفلسطينية، والموقف المنحاز للقوى الدولية، وبخاصة موقف الرئيس الأمريكي ترامب، لنزع الاسرائيليين عن أقنعتهم، وطي الصورة الناعمة التي رسموها أمام العالم عن دولتهم، باعتبارهم الدولة الديمقراطية الوحيدة في هذا الجزء من العالم. وأنهم دولة مسالمة تتعرض للحرب والكراهية من قبل جيرانها العرب. فلم يعد الاسرائيليون، أمام الضعف العربي، والخضوع لشروط الاحتلال، بحاجة إلى أي أقنعة، تغطي عقيدتهم التوسعية العنصرية المتخلفة.

إن المعنى الصريح والواضح لقانون الدولة القومية لا يستثني أحداً من الفلسطينيين، من حيث تنكّره للحقوق. فالفلسطينيون، الذين تمسكوا بأرضهم، في حيفا، ويافا، والناصرة، وبقية المدن الفلسطينية التي تشكل الآن الجغرافية المعترف بها دولياً للاحتلال هم ضمن الرؤية الجديدة جالية فلسطينية مقيمة في دولة إسرائيل. يخضعون كمقيمين، وليس كمواطنين، لأنظمتها وقوانينها، وللاحتلال حق تهجيرهم في أي وقت يختاره.

وباتت مدينة القدس، ضمن هذا القانون، لليهود فقط. وإذا ما جرى الاعتراف به على الصعيد الدولي، فإن ذلك يعني في أبسط معانيه، إسقاط كل الحقوق الفلسطينية، والعربية في المدينة المقدسة، والتصفية النهائية لحق العودة وتقرير المصير، وهي حقوق يفترض أن تكون مصانة بموجب القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة.

إن الصمت العربي على هذا القانون ليس له من معنى سوى إلغاء حق العودة، وبقاء اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم إلى ما لا نهاية، ليحل محلهم ما دعاه القانون الجديد بيهود الشتات. إن تصديق الكنيست الإسرائيلي على قانون الدولة القومية، هو شرعنة لتطهير عرقي، ليس له ما يماثله حتى في ظل الاستعمار التقليدي، وفي ظل نظام الفصل العنصري، في جنوب إفريقيا، الذي وقف ضده واستنكره العالم بأسره. إن هدفه المعلن هو أن يجعل من إسرائيل كياناً يهودياً خالصاً، لتتحقق فرادة أخرى للإسرائيليين تضاف إلى فرادات الهولوكست والشعب المختار، وأساطير التاريخ، والوعد الإلهي بحيازة فلسطين، مجسدة صورة دراماتيكية للعقيدة اليهودية، من حيث تفوقها في عنصريتها، من دون منازع.

عن صحيفة «الخليج»