مظفر عتيق - النجاح الإخباري - نمتاز بالهشاشة، بل ربما هذا التوصيف تحجيمٌ وتقليلٌ لحقيقةِ واقعنا السياسي الفلسطيني. منظمة التحرير الفلسطينية، ممثلنا أمام العالم، هشةٌ ومترهلة، وذلك باعتراف القائمين عليها بعد تصريحاتهم منذ العام المنصرم بخصوص ضرورة إعادة انتخاب وتجديد الإعضاء والدوائر، أو حتى الاتفاق القديم بين حركتي فتح وحماس على إعادةِ التفعيل والهيكيلة.

لا ننسى بالطبع واقعنا في الصراع الجغرافي والوجودي، بتآكل ما تبقى من أراضينا تحت وطئة الاستيطان والمصادرة ونحن متمسكون بالشرعية والقانون الدوليين على أنهما الحلُ الوحيد بُحكمِ أن الغريق يتعلق بقشة، والشارع من خلف القيادة يكاد لا يبصر القشة المذكورة.

لكن اليوم "هشاشةٌ" جديدة تعرت مع دوي الانفجارِ الذي أصاب موكب رئيس حكومة الوفاق الوطني رامي حمدلله بعد حاجز بيت حانون رفقة رئيس جهاز المخابرات العامة ماجد فرج، لتبدأ أصواتٌ خمدت وأخرى اتسمت بالعقلانية بالعودةِ من جديد بشكلٍ يحاكي ذكريات الانقسام الأولى، وكأن لا شاطئ وُقع ولا مصالحةً برعايةٍ مصرية تحبو خطواتها الأولى صوب التحديات الجسام.

ربما القارئُ للمقالِ الحالي يجدُ متهماً واحداً، لكن الحقيقةَ أن لا متهمين على الإطلاق، إنما محاولةٌ لردع الصدعِ والحفاظ على الكرامة الوطنية أمام المجتمع الدولي. ذات المجتمع الذي نطالبه بانصافنا، ربما علينا تجنب نشر غسيلنا المتسخ أمامه على رؤوس الجبال، ربما على المسؤول أن يتحلى بضبط النفس بذات الوقت الذي يتقلد كرسيه.

حماس مسؤولة، لكن ليس بالضرورة أن تكون المذنبة أو بالأدق من فعلت ما حدث؛ حماس مسؤولة من زاوية كونها من تحكم غزة فعلياً، ومن يحكم البلد فأمنه واجبه المكلفُ به، سواءٌ بصندوق الاقتراع أو بأمر الواقع.

منذ اللحظاتِ الأولى خرجت اتهاماتٌ من مسؤولين كبار في السلطة الوطنية الفلسطينية وحركة فتح صوبَ حماس. واحدٌ يذكر بأحداث 2007 السوداء وبحر الدماء الذي سال في الضفة المحتلة والقطاع المحاصر في إشارةٍ منه إلى أن حماس "معتادةٌ على الاغتيالات السياسية". آخرٌ يقول إن هذا "نهج الإخوانِ المسلمين منذ تأسيسهم"، رغم أن حماس قبل عامين وأكثر أعلنت ما يشابه الانفصال عن مكتبِ الإرشاد المصري، وهذا ما أكدته في وثيقتها السياسيةِ الأخيرة التي أعلنها رئيس الحركة السابق خالد مشعل.

لكن من كان في الميدان رفضَ اتهامَ طرفٍ معين كما فعل البعيدون مناطقياً، قائلاً إن "من المبكر اتهام أحد، ولكن من هو موجودٌ يتحمل المسؤولية الكاملة عن ضمان سلامة الأراضي"، هذا كان تصريح ماجد فرج صباحاً من غزة والذي يماثل تماماً جزيئةً جوهريةً من فكرة المقال.

سنواتٌ عديدة من الانقسام ولدت مكاسباً كثيرة لصالح الجهتين على حساب المصلحة الوطنية العليا، وكلمّا تقدمت الحركتان صوب المصالحة أعادهما أطرافٌ من داخلهما. قالها كثيرون، قياديون ومطلعون ومحللون، هنالك من لا يريد للمصالحة أن تكتمل لفوائدهم الشخصية المختلفة، ومن خطط ونفذ ما حصل اليوم لا يُنتزع من بين هؤلاء بل هو في صميم تكوينهم.

الجالسون في المقاهي وجماهير الأخبار يتهامسون فيما بينهم بأسماءٍ من الطرفين غير معنين بالمصالحة. ربما أماكنهم القيادية ستختفي، ربما مناصب حكومية ستزول، ربما أرباحٌ اقتصادية أو حتى ماضيهم الكارثي في سنوات الانقسام سيدق آخرُ مسامير الفناء في نعوشهم بخوفٍ يترآى لهم عبره ذكرياتٌ تماثل مصير الحزب الوطني الحاكم في مصر قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير وجهاز أمن الدولة بعد حظرهم قانونياً نزولاً عند رغبة الجماهير.

حماس فعلت ما ينبغي أن يحدث، استنكرت وتبرأت مما حصل ومن فاعله وبدأت بالتحقيق بملابسات الحادثة، رغم أن قيادين في الضفة يرون في حماس "انعدام الكفاية" المطلوبة لفتح التحقيق، لكن ماذا تفعل أكثر؟! تمكين الحكومة ووزارة الداخلية حكايةٌ أخرى، يجب أن تحصل، ولكنها كغيرها من ملفات المصالحة عالقة، فإن كانت الحل فالمضي بالمصالحة هو الطريق وليس الطعن بها من حيث لم يحتسب أحد قبل صباح الحادثة.

بذكر لجانِ التحقيق فهي مؤلمةٌ جداً؛ كم ستستمر في عملها حتى وصولها إلى النتيجة المطلوبة؟! هذا سؤالٌ جوهري جداً، بل وحتى مشروعٌ ويضرب لُب اللجنة؛ فجميعنا كشعبٍ فلسطيني لا زلنا ننتظر نتيجةَ التحقيق باغتيال الرئيس السابق ياسر عرفات، وأمام مثل هذه القضية تُنسى باقي اللجان والقضايا.

رئيس الوزراء ليس مستهدفاً، قتُلُ المصالحة والحفاظ على مكاسب المستفيدين من الانقسام هما الهدف، وتصميم حمدلله على العودة إلى غزة في القريب العاجل ورغبته في البقاء لولا ارتباطاته تعني أنه يعلم جيداً بأن حياته ليست التي في خطر بل المصالحة والقضية اللتان في خطر. وهنا تقودنا هذه النقطة لنتساءل، أهي حقاً محاولة اغتيال؟

لو كان رئيس الوزراء هو المستهدف لكانت الضربة موجهةٌ إليه لا قدر الله، لكانت المحاولة في مراتٍ عديدة سبقت اليوم زار فيها وزير الداخلية القطاع، لكانت المحاولة قد أتت إلى رام الله، ولكنه ليس المستهدف، إنما مصالحُ أولئك المستفيدين من ضياع المصالحة، أرادوا أن يضربوا ضربتهم وأن يغلفوها على شكل محاولةٍ للاغتيال لإبعاد الأنظار عنهم.

حادثةُ بيت حانون حملت في طياتها مواقف إعلامية بعيدة عن شخص رئيس الوزراء لكن نسيانها يعد خطأً جسيماً. بعض الوكالات الإخبارية قادت دفة التهويل وأوصلت الأمورَ إلى اشتباكٍ مسلح ولولا أنه حدثٌ محلي لقالوا إن هنالك إنزالاتٌ جوية. وسائل إعلامٍ تنشر خبرَ مغادرة الوفدِ إلى الضفة ووسائلٌ أخرى في ذاتِ الوقت تستضيف أحد الشخصياتِ الأمنية في داخلية غزة فيصرح بأن الوفد لا يزالُ في القطاع.

من جانبٍ آخر متحدثٌ رسمي على الهواء مباشرةً مع إحدى الفضائيات وبعد عشر دقائق مع فضائيةٍ أخرى، وقد تفوه بذات الكلمات دون تعديلٍ أو تغيير. مذيعٌ وسيم يسأل أحد ضيوفه إن كان هنالك رابطٌ بين دعوة النائب محمد دحلان الرئيس محمود عباس لزيارة غزة وانفجار اليوم، وكأن الحادثة بوابةٌ لاغتيال الرئيس، والضيف ذو الرتبةِ السياسية العالية يؤكد الرابطَ العجيب.

لكن ما لا يغفر أبداً هو حرية الصحافة، بأي حقٍ يعتقل مصور فضائية فلسطين؟

أشخاصٌ من حماس سعيدون بما حصل، أشخاصٌ من فتح والسلطة انتظروا الحدث ليفتحوا باب الانتقاد و"التخوين" على حماس، والخاسر الوحيد هو الشعب الذي نساه الطرفان. ربما هذه فرصة حماس لتكسب الدفة إلى جهتها؛ لتذهب إلى المجلس الوطني بأعضائها في المجلس التشريعي الذين يعدون أعضاءً هناك كذلك، أو على الأقل كما فعلت في مؤتمر فتح السابع، ولتدفن المتآمرين على المصالحة كانوا من كانوا، وذلك أضعف الإيمان.