محمد صلاح - النجاح الإخباري -
بمقدار ما كان عام 2011 مهماً بالنسبة إلى المصريين، وغيرهم من العرب، بالنظر إلى الأحداث المفجعة التي جرت فيه، والخراب الذي انتشر في المنطقة، بعدما أصابها الربيع العربي، وتسبب في تلك الفوضى التي سادت، والانقسام الذي حدث، والفقر الذي استشرى، والقتل الذي تحول إلى مشهد عادي، وصعود جماعات وتنظيمات متأسلمة إلى واجهة الأحداث وسدة الحكم، فإن عام 2018 سيكون عاماً مفصلياً لمصر والمصريين، وربما أيضاً لبقية العرب، ليس فقط لأن الانتخابات الرئاسية المصرية ستتم في منتصفه بما يسبقها ويصحبها، ومؤكد يعقبها، من أحداث ومواقف وردود فعل، ولكن أيضاً لأنه العام الذي سيُصدر فيه القضاء المصري أحكاماً نهائية في غالبية القضايا المتهم فيها قادة وعناصر جماعة «الإخوان المسلمين» بعد نحو أربع سنوات ظلت أوراق القضايا تتداول في المحاكم، ثم تعاد المحاكمات من جديد بعد قبول محكمة النقض طعون المحكومين بها. المقصود هنا القضايا ذات العلاقة بجرائم «الإخوان» عقب ثورة الشعب المصري على حكمهم في حزيران (يونيو) 2013 أو تلك التي كُشفت وقائعها بعدها وتضمنت معلومات عن تخابر قادة الجماعة مع دول وجهات ومنظمات غير مصرية.

صحيح أن الآلة الإعلامية لـ «الإخوان» المدعومة من قطر وتركيا تخدع أعضاء الجماعة من البسطاء، وتؤكد لهم أن كل تلك القضايا ستسقط بعدما يعود محمد مرسي إلى المقعد الرئاسي يوم الأحد، (من دون تحديد أي أحد يقصدون)، وصحيح أن القنوات التي تبث من الدوحة ولندن وإسطنبول واللجان الإلكترونية «الإخوانجية» تعزف منذ سنوات معزوفة مفادها أن النظام يترنح وأن الحكم يطلب الصلح مع الجماعة، وحقيقي أن بعض «الإخوان» تحت وطأة الإلحاح السياسي والإعلامي الآتي من الدوحة وأنقرة يأمل بأن يأتيه ربيع آخر، وأن تدخل مصر وغيرها من الدول العربية مجدداً أتون فوضى أخرى وخراب آخر وقتل ودمار وحرائق ومناخ يسهل عودة «الإخوان» إلى السلطة ووضع التنظيم مجدداً في موضع القيادة، إلا أن حقائق الأمور في مصر تشير إلى أن الانتخابات الرئاسية ستمر على خير، وسيفوز الرئيس عبدالفتاح السيسي بولاية ثانية من دون صعوبات، وأن العام الجديد لن يشهد نهاية للمأساة «الإخوانية» وكابوساً سيطر على أعضاء الجماعة بعدما تصوروا، بفعل الربيع العربي، أنهم سينطلقون من مصر ليحكموا العالم. فأزمة «الإخوان» أكبر من أن تُحل في عام واحد، لكن المؤكد أن مسألة المصالحة بين الحكم و «الإخوان» غير واردة، ولا يجرؤ أي حاكم مصري على تحدي إرادة المصريين الذين سقط منهم مئات، بل قل آلاف الشهداء نتيجة الإرهاب وعنف «الإخوان»، علاوة على أن رصد الخطاب السياسي للسيسي ومواقفه تُظهر أن الرجل، كغالبية المصريين بعد الربيع العربي، لا يفرّق بين «داعش» و «الإخوان» ويضع كل التنظيمات المتأسلمة في سلة واحدة. في 2018 سيكون الحكم أمام اختبار تنفيذ أحكام إعدام نهائية ضد قادة ورموز من «الإخوان»، ما يعكس قدرته على تنفيذ الأحكام القضائية، وفي الوقت نفسه يظهر إمكاناته في مواصلة المواجهة مع ذلك التنظيم الذي ينشط خارج مصر بفعل الدعم الذي يلقاه التنظيم الدولي من قطر وتركيا وجهات غربية، بينما يعاني تأثير ضربات وراء أخرى داخل مصر، ناهيك بالطبع عن غضب جماهيري ورفض شعبي لكل ما يطلقه من دعوات أو تحريض!

دفع المصريون منذ الثورة على حكم «الإخوان» ثمناً باهظاً، لصمودهم وإصرارهم على بقاء الدولة في مواجهة أعاصير الربيع وعنف «الإخوان» وإرهاب «داعش» ومخططات غربية لتغيير خريطة المنطقة، لكنهم مع العام الجديد ينتظرون ثمار إصلاحات سياسية واقتصادية، ومع استعدادهم لمواصلة جهود التصدي للمؤامرات يدركون أن الإرهاب مدعوم قطرياً، وأن «الإخوان» يحظون برعاية تركية، وأن الإقليم المحيط بمصر تضرّر بفعل الارتماء في أحضان إيران وتركيا، ويعرفون أن مرور الوقت يصب في اتجاه ترسيخ الدولة وتثبيت أركانها، وفي الوقت نفسه علاج المجتمع من تسرطن «الإخوان» في مؤسساته، ويأملون بأن يشهد عام 2018 نهاية لمعضلات وأزمات ومشاكل جمة بدأت مع الربيع العربي واستمرت بفعل «الإخوان» والإرهاب وقطر وتركيا، وآن الأوان لأن تُلقى خلف مجتمع تجاوزها من دون أن يتنازل عن التصدي لها، بينما المتشدقون بالربيع العربي والممسكون ببقاياه والداعمون لتأثيراته المدمرة في حالهم يعيشون وهماً كبيراً وفشلاً ذريعاً وكوابيس عظيمة.