الدكتورة أماني القرم - النجاح الإخباري - دولة واحدة تكفي لتؤيد القرار الأمريكي بشأن القدس فتلحق بها دول أخرى... هذه هي الفرضية التي يعوّل عليها نتنياهو والداعمون له .. فلن يصمتوا ويكتفوا بالإحتفال بقرار ترامب الكارثي خاصة بعد الاستنكار العالمي، وسيجوبون العالم شرقاً وغرباً، ويسخّرون كل طاقاتهم وأدواتهم ونفوذهم الاعلامي والمالي واللوجيستي لحشد التأييد ودفع الدول تباعاً للحاق بالولايات المتحدة.

سيعزفون على وتر ضرورة عدم التصعيد لحفظ السلام في المنطقة، ويوجهون السهام لقضية أخرى أو مفعول به آخر، فهم يعون تماماً حدود القدرة العربية في الرد وأن القضية لدى الفاعلين العرب لم تعد إسرائيل بل إيران ووكلائها ومن هم على شاكلتها. كما سيعززون من المراهنة على أن غزة منفصلة عن الضفة وأن المصالح والأجندات مختلفة بين الفرقاء، كما أن الانتفاضات لا تأتي بالدعوات بل برافعة قوية تساندها وتدعمها، وباعتقادهم أنها غائبة بفعل الظروف المحلية والإقليمية ..

ونحن.. وأقصد هنا الفلسطينيين.. ماذا أنتم فاعلون؟ باعتقادي أمامنا سيناريوهان للمضي في أحدهما:

السيناريو الأول: قلب الطاولة وإزالة الأقنعة بمعنى انطلاق انتفاضة فلسطينية شعبية عارمة في الضفة وغزة كلٌّ حسب أدواته المتاحة شريطة أن تلقى الدعم من السلطة الفلسطينية وقادتها وأجهزتها والحركات الفلسطينية الأخرى كحماس والجهاد وغيرهما (دون هذا الدعم لن تفلح) مع تحمل ما يترتب عليها من خسائر بشرية واقتصادية وربما سياسية طويلة المدى، مع ما يصاحبها من مراهنة على المد الشعبي العربي والإقليمي والدولي لتعرية التصريحات العنترية من جهة والخطابات الباهتة التي صدرت من جهة أخرى أمام حقيقة واقعة مفادها أن الهراء الصادر عن بعض الأصوات المستندة إلى خطاب ترامب المرافق لتبرير قراره بأنه "لم يتخذ موقفاً تجاه أي قضايا تتعلق بالوضع النهائي، بما في ذلك الحدود المُعينة للسيادة الإسرائيلية في القدس، أو حل قضية الحدود المتنازع عليها".

هذا حديث فارغ فكيف لأحد أن يعترف بعاصمة دولة (متنازع عليها) دون أن يكون قد اتخذ موقفاً مسبقاً حول سيادتها وحدودها. إضافة إلى أن ترامب كان حاسماً في خطابه بحيث أنه لم يتضمن أية إشارة حول حق الفلسطينيين في القدس الشرقية على الأقل. بل على العكس فمنذ توليه سدة الحكم، تبنى ترامب جميع المخططات الإسرائيلية لإفراغ المدينة من عروبتها لخلق حقائق على الأرض وبقراره أسبغ عليها الشرعية.

السيناريو الثاني: المراهنة، بمعنى الرضوخ للضغوطات العربية والدولية التي ستأتي حتماً فيما بعد برود تبعات القرار للعودة مرة أخرى إلى ما يسمى "عملية السلام"، مع الاستمرار في المعارك الدبلوماسية التي بدأتها السلطة الوطنية فعلياً قبل عدة سنوات. ويأتي هذا السيناريو متماشياً مع الأصوات القائلة بأن مسار القضية الفلسطينية هو مسار الفرص الضائعة، وأنه يجب استغلال الدعم الدولي الحالي للقضية الفلسطينية، فالعالم حسب هذه الأصوات لن يدعم "العنف" الذي لن يُجدي شيئاً في إطار تغير الظروف ومعادلات المصالح وغياب التمييز ما بين مفاهيم المقاومة والإرهاب. كما أن برأيهم المنطقة لا تحتمل مزيداً من الدمار.

وتبعاً لذلك، علينا تحمل ما يتأتي على هذه المراهنة من خسائر مستمرة في فقدان الأرض أمام الهجمات الاستيطانية اليمينية الإسرائيلية المستمرة في ظل فراغ أمريكي لأي مساندة للحقوق الفلسطينية!! مع ملاحظة أن الدفع بهذا السيناريو يجب أن يكون واضحاً ومبرراً ومعلناً ومتفقاً عليه من كافة الأجنحة الفلسطينية وذلك لتغييب أية أجندات خارجية تزهق دماء الفلسطينيين دون طائل.

المشترك ما بين كلا السيناريوهين هو ضرورة استثمار اللحظة والزخم الحالي لضمان تقليل الخسائر قدر الإمكان مقابل حصد الثمار.. لننتظر ونرى.

[email protected]