أحمد جابر - النجاح الإخباري -
أحمد جابر
الصورة العربية السيئة والراهنة، حيث القرار الفعلي للخارج، نستحضرها اليوم للدعوة إلى ضرورة تبديلها. فما بات مؤكداً هو أن الدول العربية بكياناتها المجتمعة، أو باستقلالاتها المنفردة، مجبرة على السير في مسار تغيير الصورة وتبديلها، وهي مرغمة بقوة الواقع وبضغط الوقائع على الانخراط في نقاش سبل التبديل العامة، الثقافية والسياسية والاقتصادية، وليس أمام المجموع العربي سوى النجاح في مهمته، لأن الفشل الإضافي في مضمار تبديل الذات وتطويرها، ستكون نتيجته من مادة ما حصد العرب حتى الآن، من خيبات وانكسارات وتخلف عن اللحاق بالركب العالمي العام.
وليس في قرار التبدل المطلوب أحجيات، بل إن مادة عناوينه واضحة في كل المجالات، وإذا كان القصور عن صوغ الشعارات ومفاصل الخطط وتحديد الأولويات العربية ما زال سيد الموقف، فإن المبادرة إلى استدراك هذا القصور يجب أن تأتي من جانب النخب الثقافية والسياسية، ومن جانب المرجعيات الرسمية والشعبية، بخاصة في الدول التي تحتل مركزاً محورياً في العالم العربي اليوم، وتتصدرها موضوعياً ولأسباب متداخلة عدة، جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية.
من المداخل الأساسية لاستعادة الذات العربية، ولاستئناف مسيرة الحضارة العربية المُفَوّتة حتى تاريخه، إعادة الاعتبار إلى عنوان العروبة، والتمسك بمضمونه، وجلاء معناه في العقدين الأولين من القرن الحالي، أي إعادة تعريفه تعريفاً ينفض عنه شوائب ما علق به من ممارسات استبدادية، وينير الجوانب الجوهرية المقصية منه، بخاصة الجانب الثقافي الذي يعتقد بأن العروبة مظلة جامعة تتفتح تحت ظلالها الشخصيات القطرية المستقلة، وتُحترم في سياقها المسارات المجتمعية العربية المختلفة، وتعيش المعتقدات الدينية والثقافية في معارج تطورها، هكذا تكون العروبة عنصر تفاعل وتكامل وتطور وتعايش، ومقدمة لتطوير معاني الأخوة العربية، ولمضامين المصالح المشتركة، بخاصة بند الدفاع المتضامن والمشترك عن الكيان التكافلي والتكامل العربي، ضد ما تتعرض له الكيانية العربية مجتمعة، وضد ما يهدد مكوِّن من مكوناتها في ظروف السياسات المتغيرة. تتسع العروبة لكل الأديان، ولا يتسع دين لدين آخر، وما يشهده الميدان العربي اليوم يقدم صورة جلية عن التنابذ العرقي والمذهبي والمناطقي، عندما يصير الأمر أمر انبعاث الهويات «الفردانية» المتفرقة، وعندما يُستعاد التاريخ العام للمكونات الأهلية والمجتمعية، بصفته مسارات تناحر سلطوية ارتدت عباءة الدين والمذهب والمعتقد، وكان من نتائجه ضياع ثمار ثمانية قرون من عمر الحضارة العربية.
من مدخل العروبة الجديدة، أي التي تقرأ في كتاب القرن الحالي وترى من خلال نظّاراته، لا بديل من استحضار عدد من المفاصل المهمة التي يجب أن تخوض فيها اللغة العربية السياسية الحديثة. المفصل الأول هو بصيغة سؤال: ماذا عن العروبة الوطنية المحلية، أي عروبة كل بلد على حدة، بصفتها عروة وثقى داخلية، وعامل صناعة لحمة وطنية ضرورية لكل مجتمع بعينه؟ والمفصل الثاني يحمل صيغة سؤال استكمالي: ماذا عن العروبة السياسية المشتركة، التي تبلور جملة المصالح الحالية والمستقبلية، وتأخذ بالحسبان واقع الجمع العربي المُعاينَ، وتتخلى عن وقائعه المتخيلة التي لا تستند إلى أي واقع؟ أما المفصل الثالث فهو سؤال العروبة الإقليمية، أي ماذا عن خطاب العروبة المشترك حيال الجوار الإقليمي، الخصم أو الحليف، وأي سياسات تعتمد حيال هذا وذاك، بالجملة السياسية وليس بالمفرّق المصلحي المحلي فقط؟ والمفصل الأخير هو سؤال خطاب العروبة العالمي، أي الصياغة الجديدة التي تعيد الوصل مع العالم الراهن، ومع مشتركاته في السلام وفي البيئة وفي الأفق الاقتصادي والمجتمعي والعالمي، وتنأى عن خطب الانعزال والتقوقع بعد أن صار العالم «قرية كونية» على مرمى وسائل الاتصال العابرة. باختصار ماذا عن العروبة والعولمة، ودائماً من منظار التفاعل مع مجريات الواقع، وليس وفقاً للنظريات الخارجية التي تفصّل المجتمعات «المتعولمة» فتوزعها على رابحين دائماً، وخاسرين على مدار الأيام.
المفاصل هذه، وسواها كثير، تتشارك في إعادة تقديم الذات العربية لذاتها، أي أن الصورة التي يقدمها العربي لنفسه هي صورته عن نفسه، وليست الصورة التي رسمها الآخرون له وأسقطوها على واقعه وثقافته وسياساته ومجمل يومياته. يجب أن تتقدم دولة عربية أو أكثر للتصدي لإطلاق المبادرة، لا سيما الدول القوية والقادرة. وسؤالنا ابتدائي، وهو برسم كثيرين، في المشرق العربي وفي المغرب الكبير... وفي فلسطين واسطة عقد القضايا، وحيث امتحان لغة الضاد، لساناً وأهلاً وتاريخاً وسياسة مستقبلية.
 
 
* كاتب لبناني