نابلس - النجاح الإخباري - لم يعد من الممكن القول إن الأفلام يجب ألا تتحدى أو تثير القلق، أو لا ينبغي أن تتعمق في أغمق الموضوعات، بعد تاريخ طويل من استخدام السينما في فضح أسوأ الجرائم، عبر العديد من الأفلام حول الإبادة الجماعية، وعدد لا يحصى من المشاهد التي تقشعر لها الأبدان، وصولا لهذا الفيلم "المُثير للقلق، كقصيدة ذات نغمة مزعجة للغاية"، على حد وصف الناقد السينمائي لوك بكماستر.

إنه فيلم "نيترام" (Nitram) للكاتب الأسترالي شون غرانت، والمخرج الأسترالي المثير للجدل دائما جاستن كورزل، خاصة عندما يقرر استكشاف ملابسات حدث يمثل صدمة غير مفهومة، ويضعنا في الأجواء التي سبقت مذبحة بورت آرثر في تسمانيا عام 1996، التي قتل فيها 35 شخصا وجرح فيها 23 آخرون، في محاولة لفهم أسباب وكيفية حدوثها.

الفيلم معني بالدرجة الأولى بسبر أغوار شخصية مارتن براينت، الذي ارتكب أسوأ مجزرة في تاريخ أستراليا، وهو ما يُفسر حرص الكاتب غرانت على أن يبني السرد "بطريقة شديدة الوعي وغير تعليمية، ترفض الإجابات السهلة، وتُضفي إحساسا غريبا ومضطربا على الأحداث"، كما يقول بكماستر. وذلك لإدراكه قيمة كل تسلسل يؤدي إلى فهم المأساة.

وفي مثال مُبكّر على هذا النهج، نرى المسلح (قام بدوره النجم الأميركي كاليب لاندري جونز)، الوحيد الذي لم يُذكر اسمه مطلقا في الفيلم، كأسلوب حديث للمخرج كورزل، يهدف إلى إنكار وجود الجاني لسمعته السيئة؛ فهو نفسه كان يُنكر ذاته؛ ففي إحدى المرات قال لوالدته "أحيانا أشاهد نفسي ولا أعرف من الذي أنظر إليه".

يحاول أن يجرب رياضة التزلج على الأمواج، فتكرر عليه والدته (النجمة الأسترالية جودي ديفيس) القول "أنا والدتك، أنا أحبك، ولكن ركوب الأمواج ليس لك".

وهو ما يجعل المشاهد يتساءل عن الأهمية الخاصة لهذا المشهد، الذي يمكن مقارنته بالسؤال القديم حول إذا كانت حياة هتلر وبالتالي مسار التاريخ البشري سيسيران بشكل مختلف إذا تم قبوله في مدرسة الفنون؟ وبالمنطق نفسه أيضا: هل كانت الأمور ستسير في طريق المأساة لو كانت والدة الفتى شجعته على النجاح في رياضة ركوب الأمواج؟

والإجابة أنه رغم أن كلا من الكاتب غرانت والمخرج كورزل يعرفان أن بطل الرواية يعاني من مشاكل في الصحة العقلية، ويتعاطى مضادات الاكتئاب، لكنهما لا يستخدمان هذا لتبرير أفعاله أو شرحها، بل حرصا على أن يُظهرا أنه كان لديه أشخاص مهمون في حياته في الفترة التي سبقت المذبحة، وقبل أن يميل نحو الحافة؛ هما والده الخجول (أنتوني لابغليا) وصديقته الثرية (إيسي ديفيس).