وكالات - النجاح الإخباري - اختتم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارته الأولى إلى القاهرة أمس، والتي استمرت على مدار ثلاثة أيام، وسط تشديدات متبادلة على تعزيز العلاقات بين البلدين في كافة المجالات، وفيما غلب الحديث حول "حقوق الإنسان" على لقاء الرئيس الفرنسي والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أول من أمس، حرص ماكرون على تأكيد دعم بلاده وإبداء رغبتها في التعاون مع المؤسسات الدينية المصرية، لمواجهة التطرف، خلال جولتين في كاتدرائية الأقباط ومشيخة الأزهر.


وكان الرئيس المصري صحب ماكرون في جولة داخل العاصمة الإدارية الجديدة أول أمس، كما شاركا في المنتدى الاقتصادي المصري الفرنسي.

وأكد بابا الإسكندرية وبطريريك الكرازة المرقسية البابا تواضروس الثاني، خلال استقباله ماكرون والوفد المرافق له في المقر البابوي في العباسية (وسط القاهرة) أمس، على عمل كافة المؤسسات المصرية وبينها الكنيسة من أجل دعم السلام والاستقرار وبناء مصر الجديدة، في وقت تساءل الرئيس الفرنسي عن أشكال الدعم التي يمكن أن تقدمها باريس إلى القاهرة، لافتاً إلى أهمية الأقباط المصريين لفرنسا، قائلاً: أعلم جيداً كم عانى الأقباط في السنوات الأخيرة من الإرهاب، وأقيّم عمل الحكومة لضمان أمن الأقباط. كما لفت ماكرون إلى تنظيم بلاده مؤتمراً في باريس من أجل دعم مسيحيي الشرق.

ومن جانبه، استعرض بابا الأقباط أبرز التحديات التي تواجهها مصر في التعليم والزيادة السكنية، قائلاً: السلام والاستقرار لا يأتي إلا من خلال الحوار، وكلما كانت علاقات الحوار إيجابية ساهمت في البناء، لدينا في الشرق قيم ومبادئ وتاريخ، والغرب لديه ذلك أيضاً، لكن يجب أن يفهم الغرب الشرق وكيف عاش، معرباً عن ترحيبه بالتعاون مع فرنسا خصوصاً وأنها من أكثر الدول التي تفهم مصر، وشدد أن "التعليم والحوار الأساس لجعل السلام هو الركيزة في المجتمع".

وانتقل البابا تواضروس إلى استهداف كنائس مسيحية من قبل متشددين، قائلاً: كنائسنا تعرضت لهجمات، كانت موجهة بالأساس ضد الوحدة الوطنية، وتابع أن المصريين نسيج واحد، لا يمكن التفرقة بين مسلم ومسيحي يسيران في الشارع، سوى أن الأول يتعبد في مسجد والآخر كنيسة، واستعرض بابا الأقباط تجربة للحوار والتعايش بين 40 من الأئمة والكهنة، حيث خاضوا على مدار 3 أيام نقاشات طويلة، أسفرت عن جولات مشتركة لهم في المدارس، كما زاروا الكاتدرائية ومشيخة الأزهر، لافتاً إلى نتائجها المبهرة حتى أن أحد الأئمة قال عقبها: كنت أترك الشارع إذا صادفت كاهناً أما الآن فإذا صادفت واحدا على جانب الطريق لعبرت إليه وسلمت عليه ولو لم أعرفه".

وفي الأزهر، رحب شيخه الإمام أحمد الطيب بزيارة ماكرون والوفد المرافق له، مبدياً استعداد المؤسسة تدريب الأئمة الفرنسيين واستقبال الطلاب الوافدين من فرنسا لتلقي العلم في الأزهر، لتصبح فرنسا مركزاً للفكر الوسطي في أوروبا.

وقال الطيب إن زيارة الرئيس الفرنسي تمثل أهمية خاصة، نظراً للعلاقات الثقافية والتاريخية التي تربط بين الأزهر وفرنسا، والتي تتمثل في المبتعثين الأزهريين إلى فرنسا، الذين أصبحوا رموزاً للفكر والثقافة في مصر، ولا زالت هذه المدرسة هي الأكثر تأثيراً في الأزهر، ولذلك فإننا حريصون على استمرار هذه العلاقات وتوطيدها.

وأضاف الطيب: هذه العلاقات القوية تحتم علينا مساعدة فرنسا في التغلب على الإرهاب، ومواجهة الذين يقتلون الآخرين باسم الدين، معرباً عن استعداد الأزهر لدعم فرنسا من خلال برنامج لتدريب الأئمة على مواجهة الفكر الإرهابي، بالإضافة إلى تقديم منح للطلاب الفرنسيين للدراسة في الأزهر الشريف، لتكون فرنسا مركزاً لنشر الفكر الوسطي في أوروبا.

وشدد شيخ الأزهر على أن السلام هو الرسالة الأولى للإسلام الصحيح الذي يحمله الأزهر، والذي يعتبر الضامن الوحيد لحماية الأرواح والدماء البريئة، مشيراً إلى أن الأزهر على استعداد للمساعدة في إنقاذ أي إنسان يعيش في أي مكان بالعالم من أن يقتل باسم الدين، كما يعمل على مد جسور الحوار مع الغرب والمؤسسات الدينية الكبرى كالفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي وأسقفية كانتربري، وسوف يشارك في مؤتمر الأخوة الإنسانية المقرر عقده في أبوظبي مطلع شباط (فبراير) المقبل، بالتعاون مع الفاتيكان، لنشر السلام بين أتباع الأديان.

من جانبه عبر ماكرون عن سعادته لقاء الطيب، مشيداً بدوره المحوري في مواجهة كافة أشكال العنف والإرهاب، وعمله الدائم على مد جسور الحوار بين الأديان، مبدياً تطلعه لزيادة التعاون مع الأزهر الشريف والتنسيق معه، لتعزيز قيم المواطنة والتعايش والاستقرار في المجتمع الفرنسي، ومواجهة التيارات المتشددة التي تستقطب الشباب المسلم في فرنسا.

كما أبدى الرئيس الفرنسي رغبته في أن يتلقى جميع الأئمة والدعاة الفرنسيين تدريبهم في الأزهر الشريف، وأن يتلقى الطلاب الفرنسيون تعليمهم الديني في جامعة الأزهر، ليكونوا ضماناً للاستقرار ولاحترام قواعد المواطنة، مؤكداً أهمية استعادة العلاقات الثقافية بين الأزهر وفرنسا، من خلال تبادل المنح والعلاقات الأكاديمية بين الجانبين.